أيضا الإحرام بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا فيها (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) معناه : فمن أوجب على نفسه فيهن الحج ، أي فمن أحرم فيهن بالحج أو بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج (فَلا رَفَثَ) كني بالرفث عن الجماع هاهنا (وَلا فُسُوقَ) هو معاصي الله كلها (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) روى أصحابنا : أنه قول لا والله ، وبلى والله ، صادقا أو كاذبا (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) معناه ما تفعلوا من خير يجازكم الله العالم به (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) معناه : تزودوا من الأعمال الصالحة وذكر ذلك في أثناء أفعال الحج لأنه أحق شيء بالإستكثار من أعمال البرّ فيه (وَاتَّقُونِ) فيما أمرتكم به ، ونهيتكم عنه (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا ذوي العقول.
١٩٨ ـ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) قيل : كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج ، فرفع الله بهذه اللفظة الإثم عمّن يتّجر في الحج (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي دفعتم عنها بعد الإجتماع فيها (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) وفي هذا دلالة على أن الوقوف بالمشعر الحرام فريضة وتقدير الكلام : فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) معناه : واذكروه بالثناء والشكر على حسب نعمته عليكم بالهداية ، فإن الشكر يجب أن يكون على حسب النعمة في عظم المنزلة ، كما يجب أن يكون على مقدارها (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل محمد (ص) (لَمِنَ الضَّالِّينَ) عن النبوة والشريعة فهداكم إليه.
١٩٩ ـ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) المراد به الإفاضة من عرفات وأنه أمر لقريش وحلفائها وهم الحمس لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفة ولا يفيضون منها ويقولون : نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه ، وكانوا يقفون بالمزدلفة ويفيضون منها ، فأمرهم الله بالوقوف بعرفة والإفاضة منها كما يفيض الناس ، والمراد بالناس سائر العرب (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) أي اطلبوا المغفرة منه بالندم على ما سلف من المعاصي (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) أي كثير المغفرة (رَحِيمٌ) واسع الرحمة.
٢٠٠ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) معناه : فإذا أدّيتم مناسككم ، وقيل معناه : فإذا فرغتم من مناسككم ، والمعنى : فإذا قضيتم ما وجب عليكم إيقاعه في متعبداتكم (فَاذْكُرُوا اللهَ) المراد به التكبير المختص بأيام منى لأنه الذكر المرغّب فيه ، المندوب إليه في هذه الأيام (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) معناه : ما روي عن أبي جعفر الباقر (ع) أنهم كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك ، ويعدون مفاخر آبائهم ومآثرهم ، ويذكرون أيامهم القديمة ، وأياديهم الجسيمة ، فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكرهم آباءهم في هذا الموضع (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) أو يزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله ويعدّوا آلاءه ، ويشكروا نعماءه (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) بيّن سبحانه أن الناس في تلك المواطن أصناف : فمنهم من يسأل نعيم الدنيا ولا يسأل نعيم الآخرة لأنه غير مؤمن بالبعث والنشور (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي نصيب من الخير موفور.
٢٠١ ـ لما ذكر سبحانه دعاء من سأله من أمور الدنيا في تلك المواقف الشريفة ما لا يرتضيه ، عقّبه بما يسأله المؤمنون فيها من الدعاء الذي يرغب فيه فقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا) أي أعطنا (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا