صفة محمد والبشارة به عن الحسن ، والكتاب هو التوراة (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي يستبدلون به عرضا قليلا من حطام الدنيا (أُولئِكَ) يعني الذين كتموا ذلك ، وأخذوا الأجر على الكتمان (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) ومعناه أنهم يأكلون النار حقيقة في جهنم عقوبة لهم على كتمانهم ، فيصير ما أكلوا في بطونهم نارا يوم القيامة ، فسماه في الحال بما يصير إليه في المآل (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بما يحبون ، وفي ذلك دليل على غضبه عليهم وإن كان يكلمهم بالتوبيخ وبما يغمهم كما قال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) معناه : لا يطهرهم من خبث أعمالهم بالمغفرة (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي موجع مؤلم.
١٧٥ ـ (أُولئِكَ) إشارة إلى من تقدم ذكرهم (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي إستبدلوا الكفر بالنبي (ص) بالإيمان به فصاروا بمنزلة من يشتري السلعة بالثمن وقوله (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) لما عرفوا ما أعدّ الله لمن عصاه من العذاب ، ولمن أطاعه من الثواب ثم أقاموا على ما هم عليه من المعصية مصرّين وقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) معناه : ما أجرأهم على النار.
١٧٦ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى العذاب (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) ففي الكلام محذوف وتقديره : فكفروا به ، والمراد بالكتاب هاهنا هو القرآن وغيره (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) قيل : هم الكفار أجمع اختلفوا في القرآن على أقوال فمنهم من قال : هو كلام السحرة ، ومنهم من قال : كلام تعلّمه ، ومنهم من قال : كلام تقوّله : وقوله : (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي بعيد عن الألفة بالإجتماع على الصواب.
١٧٧ ـ (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ليس البر كله في التوجه إلى الصلاة حتى يضاف إلى ذلك غيره من الطاعات التي أمر الله بها (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي لكن البر برّ من آمن بالله (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني القيامة ، ويدخل فيه : التصديق بالبعث والحساب ، والثواب والعقاب (وَالْمَلائِكَةِ) أي بأنهم عباد الله المكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (وَالْكِتابِ) أي وبالكتب المنزلة من عند الله إلى أنبيائه (وَالنَّبِيِّينَ) وبالأنبياء كلهم وأنهم معصومون مطهرون ، وفيما أدّوه إلى الخلق صادقون (وَآتَى الْمالَ) أي وأعطى المال (عَلى حُبِّهِ) الكناية راجعة إلى المال ، أي على حب المال وهو أن تعطيه وأنت صحيح تأمل العيش ، وتخشى الفقر ، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا (ذَوِي الْقُرْبى) أراد به قرابة المعطي (وَالْيَتامى) اليتيم من لا أب له مع الصغر ، قيل : أراد يعطيهم أنفسهم المال ، وقيل : أراد ذوي اليتامى ، أي يعطي من تكفل بهم (وَالْمَساكِينَ) يعني أهل الحاجة (وَابْنَ السَّبِيلِ) يعني المنقطع به (وَالسَّائِلِينَ) أي الطالبين للصدقة ، لأنه ليس كل مسكين يطلب (وَفِي الرِّقابِ) عتق الرقاب ، بأن يشتري ويعتق (وَأَقامَ الصَّلاةَ) أي أدّاها لميقاتها ، وعلى حدودها (وَآتَى الزَّكاةَ) أي أعطى زكاة ماله (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) أي والذين إذا عاهدوا عهدا وفوا به ، يعني العهود والنذور التي بينهم وبين الله تعالى ، والعقود التي بينهم وبين الناس ، وكلاهما يلزم الوفاء به (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) يريد بالبأساء : البؤس والفقر ، وبالضراء : الوجع والعلة (وَحِينَ الْبَأْسِ) يريد وقت القتال وجهاد العدو (أُولئِكَ) إشارة إلى من تقدم ذكرهم (الَّذِينَ صَدَقُوا) أي صدقوا الله فيما قبلوا منه ، والتزموه علما ، وتمسكوا به عملا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) أي اتقوا بفعل هذه الخصال نار جهنم.