العلامة بينها وبين قومها أنه إذا كان عند لوط أضياف بالنهار تدخن من فوق السطح ، وإذا كان بالليل توقد النار ، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط وثبت امرأته على السطح فأوقدت نارا ، فأقبل القوم من كل ناحية يهرعون إليه ودار بينهم ما قصّة الله تعالى في مواضع من كتابه ، فقال جبرائيل عليهالسلام : يا لوط اخرج من بينهم أنت وأهلك إلا أمرأتك ، فخرجوا من القرية ، فلما طلع الفجر ضرب جبرائيل بجناحه في طرف القرية فقلعها من تخوم الأرضين السابعة ثم رفعها في الهواء ثم قلبها عليهم ، وهو قول الله عزوجل : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها).
٨٥ ـ ٨٧ ـ (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) وهو شعيب بن ميكيل بن يشخب بن مدين بن ابراهيم ، وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه ، وهم أصحاب الأيكة ، وقال قتادة : أرسل شعيب مرتين : إلى مدين مرة ، وإلى أصحاب الأيكة مرة (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قد مر تفسيره (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي اتموا ما تكيلونه على الناس بالمكيال ، وما تزنونه عليهم بالميزان ومعناه : ادّوا حقوق الناس على التمام في المعاملات (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) يعني لا تعملوا في الأرض بالمعاصي واستحلال المحارم بعد أن أصلحها الله بالأمر والنهي ، وبعثة الأنبياء ، وتعريف الخلق مصالحهم (ذلِكُمْ) الذي أمرتكم به (خَيْرٌ لَكُمْ) وأعود عليكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين بالله (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للإيمان به فيخوّفونه بالقتل (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ) أي تمنعون عن دين الله من أراد أن يؤمن به من الناس (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) الهاء راجعة إلى السبيل ، أي تبغون السبيل عوجا عن الحق ، وهو أن تقولوا : هذا كذب ، وهذا باطل ، وما أشبه ذلك وقيل : تريدون الاعوجاج والعدول عن القصد (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) أي كثر عددكم (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) يعني فكروا في عواقب أمر عاد وثمود ولوط وانزال العقاب بهم ، واستئصال شأفتهم ، وما حلّ بهم من البوار (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ) أي جماعة (مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) أي صدقوني في رسالتي ، وقبلوا قولي (وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) لم يصدقوني (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) خاطب الطائفتين ومعناه : لا يغرنكم من تفرق عني فإن جميل العاقبة لي ، وسيجزي الله كل واحد من الفريقين بما يستحق على عمله في الدنيا أو الآخرة (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأنه لا يجوز عليه الجور ولا المحاباة في الحكم ، وهذا وعيد لهم.
٨٨ ـ ٨٩ ـ ثم أخبر سبحانه عمّا دار بينه وبين قومه فقال : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي رفعوا أنفسهم فوق مقدارها (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) أي نخرجنك وأتباعك من المؤمنين بك من بلدتنا التي هي وطنك ومستقرّك (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أو لترجعنّ إلى ملتنا التي كنا عليها. والمعنى : انّا لا نمكنك من المقام في بلدنا وأنت على غير ملّتنا (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) : المعنى : انكم لا تقدرون على ردّنا إلى دينكم على كره منا (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) أي إن عدنا في ملتكم ، بأن نحلّ ما تحلّونه ، ونحرّم ما تحرّمونه ، وننسبه إلى الله تعالى بعد إذ نجانا الله تعالى منها بأن أقام الدليل والحجة على بطلانها ، وأوضح الحق لنا ، فقد اختلقنا على الله كذبا فيما دعوناكم إليه (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) المراد : إلّا