٣١ ـ لمّا قدّم ذكر السيئات عقّبه بالترغيب في اجتنابها فقال : (إِنْ تَجْتَنِبُوا) أي تتركوا جانبا (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) المعاصي كلها كبيرة من حيث كانت قبائح لكن بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ، ويستحق العقاب عليه أكثر (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) أي مكانا طيبا حسنا لا ينغصه شيء.
٣٢ ـ (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي لا يقل : أحدكم : ليت ما أعطي فلان من المال والنعمة ، والمرأة الحسناء كان لي ، فإن ذلك يكون حسدا ، ولكن يجوز أن يقول : اللهم اعطني مثله (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) ان لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب من نعيم الدنيا بالتجارات والزراعات ، وغير ذلك من أنواع المكاسب فينبغي أن يقنع كل منهم ويرضى بما قسم الله له (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) معناه : إن احتجتم إلى ما لغيركم ، وأعجبكم أن يكون لكم مثل ما له فاسألوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله ، بشرط أن لا يكون فيه مفسدة لكم ولا لغيركم ، لأن المسألة لا تحسن إلّا كذلك (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) معناه : أنّه عليم بكل شيء ولم يزل كذلك ، فيعلم ما تظهرونه وما تضمرونه من الحسد ، ويقسم الأرزاق بين العباد على ما يعلم فيه من الصلاح والرشاد ، فلا يتمنى أحدكم ما قسم لغيره فإنه لا يحصل من تمنيه إلّا الغم والإثم.
٣٣ ـ ثم عاد سبحانه إلى ذكر المواريث فقال : (وَلِكُلٍ) واحد من الرجال والنساء (جَعَلْنا مَوالِيَ) أي ورثة هم أولى بميراثه (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ) أي يرثون أو يعطون مما ترك الوالدان (وَالْأَقْرَبُونَ) الموروثون (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) أي ويرثون مما ترك الذين عقدت ايمانكم لأن لهم ورثة أولى بميراثهم (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي فآتوا كلا نصيبه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي لم يزل عالما بجميع الأشياء ، مطلعا عليها ، جليها وخفيها.
٣٤ ـ لمّا بيّن تعالى فضل الرجال على النساء ذكر عقيبه فضلهم في القيام بأمر النساء فقال : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) أي قيّمون على النساء ، مسلطون عليهن في التدبير والتأديب والرياضة والتعليم (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) هذا بيان سبب تولية الرجال عليهن ، أي إنما ولا هم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم والعقل ، وحسن الرأي والعزم (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) عليهن من المهر والنفقة ، كل ذلك بيان علة تقويمهم عليهن ، وتوليتهم أمرهن (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ) أي مطيعات لله ولأزواجهن (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) يعني لأنفسهن وفروجهن في حال غيبة أزواجهن (بِما حَفِظَ اللهُ) بحفظ الله لهن وعصمته ، ولولا ان حفظهنّ الله وعصمهنّ لما حفظن أزواجهن بالغيب (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) معناه : فالشاء اللاتي تخافون نشوزهن بظهور أسبابه وإماراته ، ونشوز المرأة : عصيانها لزوجها ، واستيلاؤها عليه ، ومخالفتها إياه (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ) وعني به الجماع إلا انه ذكر المضاجع لاختصاص الجماع بها (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) أي رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي لا تطلبوا عليهن عللا بالباطل (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) أي متعاليا عن أن يكلف إلّا الحق (مقدار الطاقة). والعلو والكبرياء من صفات الله ، وفائدة ذكرهما هنا بيان انتصاره لهن ، وقوته على الانتصار