ثم لو سلمنا انه لا بد من حسن فى المكلف به لكن لا يثبت بذلك ما ذكروه من تبعية الاحكام للمصالح الكامنة فى متعلقها ، فان الحسن والقبح لا ينحصران فيما يرجع مصلحته او مفسدته الى الفاعل ، بل لا يحسن الشيء او يقبح الا لتضمنه مصلحة او مفسدة يعود الى الفاعل فكل موافق لمصلحة الفاعل حسن وكل مخالف لها او موافق للمفسدة قبيح لكن ليس كل حسن موافقا للمصلحة وكل قبيح موافقا لمفسدة الفاعل او مخالفا لمصلحته فتأمّل.
وكيف كان فما ذكروه من الدليل العقلى على هذه الكلية المعبر عنها ب «تبعية الاحكام للمصالح الراجعة الى المحكوم المبتنى على بطلان الترجيح بلا مرجح» غير واف بها.
والاولى التمسك فى ذلك بظواهر الشرع بوجهين :
احدهما ـ ان المتبادر من الامر عرفا هو كون المامور به حسنا عند الآمر محبوبا عنده ذا مصلحة وكون الداعى الى طلبه هى المصلحة الموجودة فيه ، فيكون جميع ما امر به الشارع حسنا عنده ذا مصلحة ، ومن المعلوم ان المصالح لا ترجع الا الى العباد.
والثانى ـ ما يستفاد من ظواهر بعض الآيات والاخبار مثل قوله ـ تعالى ـ خطابا للنبىّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)
[٣٣ : الاعراف] دل على حصر المحرمات فى القبائح.
وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) [٢٩ : الاعراف] دلّ على ان كل عدل مامور به لكنه لا يدل على ان كل مامور به عدل.