جميع الأشياء لله تعالى ، إنه خلقها وهي ملك له ، لا خالق ولا مالك لها غيره ، من والد ، وولد ، وزوجة ، وصاحبة ، فنطلق ذلك عند الإجمال. فأما عند التفصيل فنقول : إن لله الأسماء الحسنى. ونقول : إن له الجلال ، والجمال ، والقدرة ، والكمال ، ولا نقول : إن له الولد ، والوالد ، والصاحبة ، والزوجة ، والشريك. فاعلم ذلك. وكما نقول عند الإطلاق : إن كل مخلوق يبيد ويفنى ويزول ويضمحل ، ولا نقول عند التفصيل : إن حجة الله على خلقه والأعمال من الصلاة ، والصيام ، والحج ، إن ذلك يبيد ويفنى ويضمحل ، ونحو ذلك.
ثم نقول لهم يا جهلة : أليس الله تعالى قضى بموت نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك موت جميع الأنبياء عليهمالسلام ، فلا بد أن يقولوا : بلى. فنقول لهم : أفترضون بذلك وأشباهه؟ إن قالوا : نعم. وكلنا نقول : إنه قضى ذلك ، قلنا : وكذلك نقول نحن أيضا : قضى كل موجود وخلقه وأراده عند الإطلاق ، وعند التفصيل لا نقول : إنا رضينا موت النبي صلىاللهعليهوسلم ، بمعنى إنا أحببنا ذلك ، وأنه سرنا ، فاعلم ذلك.
فإن قيل : أليس الله تعالى قد نهى عن الكفر والمعصية؟ قلنا : بلى قد نهى عن ذلك ، فإن قالوا : فلا يحسن أن يريد شيئا ويريد وجوده ثم ينهى عنه ، قلنا : الجواب من وجهين :
أحدهما : أن يقال لهم : أليس الله تعالى قد علم أن الكافر يكفر ، وأنه يوجد منه الكفر لا محالة ، فلا بد لهم من [أن يقولوا] نعم. فيقال لهم : فكيف نهاه عن أمر قد علم أنه يكون منه ولا بد من وجوده ، فلما جاز أن ينهى مع علمه أنه لا بد منه جاز أن ينهى عنه وإن أراده. فاعلم ذلك.
جواب آخر : وهو أن يقال لهم : أليس الله تعالى نهى عن إيلام الرسل والمؤمنين ، فلا بد من [أن يقولوا] نعم ؛ فيقال لهم : فيوجد فيهم الألم من الأمراض والموت أم لا؟ فلا بد من [أن يقولوا] نعم. فيقال لهم : فإذا جاز أن ينهي عن إيلامهم ، ثم يريد ذلك ويحسن منه. فكذلك في مسألتنا يريد وينهي حتى يثبت لنفسه كمال القدرة ونفاذ الأمر والمشيئة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)) [الأنبياء : ٢٣]. والجملة أن الأمر منا ، والنهي منا ، والفعل منا ، والإرادة منا إنما توصف تارة بكونها حسنة ، وتارة بكونها قبيحة ، إنما ذلك لمعنى ، وهو أن كل ما كان منا مخالفا لأمر الرب تعالى فهو قبيح ، وإن كانت صورته حسنة من حيث الحس والنظر والسمع ، ونحو ذلك ؛ وأن كل ما كان منا حسنا إنما كان ذلك لأنه موافق لأمر الرب