قالوا : إذا فهم من قوله تعالى : (يَطْهُرْنَ) أنه أراد انقطاع الدم حمل (تَطَهَّرْنَ) على انقطاع الدم أيضا ، إذ ليس من عادة العرب أنهم يؤكدون الشيء بغير جنسه ، فلا يقولون : لا تعط فلانا درهما حتى يدخل الدار ، فإذا دخل المسجد فاعطه درهما ، بل إنما يقولون : فإذا دخل الدار فاعطه درهما ، إلا أن يكون هناك تقدير ، وهو : ولا تقربوهن حتى يطهرن ، ويتطهرن ، فإذا تطهرن ، والتقدير : يحتاج إلى دليل ؛ لأن الحذف مجاز ، والحمل على الحقيقة أولى.
قلنا : إن القراءتين كالآيتين ، وقد قري (يطَّهَّرن) بالفتح للطاء والهاء ، والتشديد ، والظاهر منه لفعل المكلف ، وقد ورد الشرط للغاية بجنس آخر ، كما في آية الطلاق ، إن قيل : فمن أين عرف أن التطهر هو الاغتسال لجميع الجسد ، لا غسل الفرج؟
قلنا : التطهر إن حمل على غسل جميع الجسد حصل فيه معنى المبالغة ، من حيث إنه يستباح به الممنوعات ، كالصلاة ، والقراءة ، وغيرهما.
وإن حمل على غسل الفرج لم يحصل معنى المبالغة ؛ لأن ذلك لا يبيح الصلاة (١). فإن قيل : إن الله تعالى جعل علة التحريم الأذى ، فيلزم في المستحاضة أن لا يجوز وطؤها. قلنا : هذا السؤال لا يرد ؛ لأن التعليل لما سألوا عنه وهو المحيض ، فعلل المسئول عنه وخرج الجواب على وفقه.
وجواب آخر : أن ذلك ليس بتعليل ، وإنما هو بيان وجه المصلحة ،
__________________
(١) قال في النيسابوري : (المراد بالتطهر الإغتسال ؛ لأن هذا الحكم عائد إلى ذات المرأة ، فوجب أن يحصل في كل بدنها لا في بعض من أبعاض بدنها) (ح / ص).