وعنها أخذ خلق كثير ، منهم : ياقوت (٦١٨ ه) ، وعن «ياقوت» أخذ «الولى العجمى» ، وعليه كتب «العفيف» ، وعن «العفيف» أخذ ولده «عماد الدين» ، وعن عماد الدين أخذ «الزفتاوى شمس الدين بن على» ، وعنه أخذ «القلقشندى أبو العباس أحمد» صاحب كتاب صبح الأعشى.
ولقد عنى الملوك الفاطميون ومن بعدهم بالخط العربى فجملوا به قصورهم ، وعروشهم ، وأدوات منازلهم ، إلى غير ذلك مما لا تزال آثارهم بمصر إلى اليوم تنطق به.
وحين انتقلت الخلافة إلى الدولة العثمانية كانت للخلفاء العثمانيين عناية بتحسين الخط العربى وتهذيبه ، فأنشئت فى الآستانة ، سنة ١٣٢٦ ه ، مدرسة لتعليم الخط والنقش.
ثم حملت مصر العبء بعد ذلك ، فأنشئت فى القاهرة مدرسة لهذا الغرض.
ـ ٢ ـ
ونحن نعرف أن «السريان» هم أول من وضع الشكل على الكلمات ، وذلك عند ما دخلوا النصرانية وأخذوا فى نقل الكتاب المقدس إلى لغتهم ، وكان الأسقف «يعقوب الرهاوى» أول من اخترع النقط التى كانت ترسم فى حشو الحروف ، وكان ذلك سنة ٤٦٠ م ، أى قبل الهجرة بنحو من ١٢١ سنة ، ثم تحولت تلك النّقط إلى نقط مزدوجة تنوب عن الحركات الثلاث.
وحين انتشر الإسلام ، وعمّ بقاعا مختلفة من الأرض ، وخاف المسلمون ما خافه ، «السريان» من قبل ، فكروا فى النقط أو الشكل ، ولعلهم استأنسوا فى ذلك بما فعله «السريان» من قبل ، وكان أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلى (٦٧ ه) فى خلافة عبد الله بن الزبير.
وبدأ «أبو الأسود» فى شكل المصحف ، بعد ما احتال عليه زياد بن سمية ، الذى كان واليا على البصرة ، فى ذلك ، وعهد «أبو الأسود» ـ فيما يقال ـ إلى كاتب يحسن الكتابة ، من بين كاتبين ثلاثين ، بعثهم إليه زياد بن سمية ، بأن يتولى الشكل ، وقال له : خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد ، فإذا رأيتنى فتحت شفتى بالحرف فانقط واحدة فوقه ، وإذا كسرتها فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة بين يدى الحرف ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة فانقط نقطتين.
وأخذ «أبو الأسود» يقرأ القرآن فى تؤدة والكاتب يضع النّقط ، وكلما أتم الكاتب صحيفة نظر فيها «أبو الأسود». ومضى على ذلك إلى أن أتم المصحف كله. ونلاحظ أن «أبا الأسود» ترك السكون بلا علامة.