يقول ابن قتيبة. وهو يناقش بعض القراءات :
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها ، أو أن تكون غلطا من الكاتب.
فإن كانت على مذهب النحويين ، فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ فى الكتابة ، فليس على الله ولا على رسوله صلىاللهعليهوسلم جناية الكاتب فى الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن لرجع عليه كل خطأ وقع فى كتابة المصحف من طريق التهجّى ، فقد كتب فى الإمام : (إنّ هذن لساحران) بحذف ألف التثنية ، وكذلك ألف التثنية تحذف فى هجاء هذا المصحف فى كل مكان. وكتب كتّاب المصحف : الصّلوة والزّكوة ، والحيوة ، بالواو ، واتبعناهم فى هذه الحروف خاصة على التيمّن بهم (١).
فنحن إذن بين رسم لكتّاب كان ما رسموا آخر الجهد عندهم ، ولقد حفظ الله كتابه بالحفظة القارئين أكثر مما حفظه بالكتّاب الكاتبين ، ثم كانت إلى جانب الحفظة حجة أخرى على الرسم ، وهى لغة العرب ، أقامت الرسم لتدعيم الحفظ ولم تقم الحفظ لتدعيم الرسم ، وكان هذا ما عناه عثمان حين قال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها. ولقد أقامته بألسنتها ، وتركت الرسم على حاله ممثّلا فى مصحفه الإمام ، الذى كان حريصا على أن تجتمع عليه الأمة الإسلامية ، ومن أجل ذلك أحرق ما سواه.
غير أن ما فعله عثمان لم يقض على كل خلاف ، وأوسع فى هذا الخلاف بقاء المصحف الإمام غير منقوط ولا مشكول ، كما مرّ بك.
من أجل ذلك كان أول شىء عمله الحجّاج ، بعد ما فرغ من نقط المصحف وشكله ، أن وكل إلى «عاصم الجحدرى» ، و«ناجية بن رمح» ، و«على بن أصمع» ، أن يتتبّعوا المصاحف وأن يقطعوا كل مصحف يجدونه مخالفا لمصحف عثمان ، وأن يعطوا صاحبه ستّين درهما. وفى ذلك يقول الشاعر :
وإلّا رسوم الدّار قفرا كأنّها |
|
كتاب محاه الباهليّ ابن أصمعا (٢) |
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن (ص : ٤٠ ، ٤١).
(٢) تأويل مشكل القرآن (ص : ٣٧).