يقول الزمخشرى محمود بن عمر فى كتابه «الكشاف (١)» : (وَالصَّابِئُونَ) (المائدة : ٦٩) رفع على الابتداء ، والنية به التأخير عما فى حيز «إن» من اسمها وخبرها ، كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك ، وأنشد سيبويه (٢) شاهدا له :
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا فى شقاق |
أى : فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك. فإن قلت : هلا زعمت أن ارتفاعه للعطف على محل إن واسمها؟ قلت : لا يصح ذلك قبل الفراغ من الخبر ، لا تقول : إن زيدا وعمرو منطلقان. فإن قلت : لم لا يصح والنّية به التأخير ، فكأنك قلت : إن زيدا منطلق وعمرو؟ قلت : لأنى إذا رفعته عطفا على محل «إن» واسمها ، والعامل فى محلهما هو الابتداء ، فيجب أن يكون هو العامل فى الخبر ، لأن الابتداء ينتظم الجزءين فى عملهما كما تنتظمهما «إن» فى عملها ، فلو رفعت «الصابئون» والمنويّ به التأخير بالابتداء ، وقد رفعت الخبر بأن ، لأعملت فيهما رافعين مختلفين.
فإن قلت : فقوله «والصابئون» معطوف لا بد له من معطوف عليه فما هو؟ قلت : مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ولا محل لها ، كما لا محل للتى عطفت عليها.
فإن قلت : ما التقديم والتأخير إلا لفائدة ، فما فائدة هذا التقديم؟ قلت : فائدته التنبيه على أن «الصابئين» أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيّا ، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها ، أى خرجوا. كما أن الشاعر قدم قوله «وأنتم» تنبيها على أن المخاطبين أو غل فى الوصف بالبغاة من قومه ، حيث عاجل به قبل الخبر الذى هو «بغاة» ، لئلا يدخل قومه فى البغى قبلهم ، مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدما.
فإن قلت : فلو قيل : والصابئين وإياكم ، لكان التقديم حاصلا؟ قلت : لو قيل هكذا لم يكن من التقديم فى شىء ، لأنه لا إزالة فيه عن موضعه ، وإنما يقال : مقدم ومؤخر ، للمزال لا للقارّ فى مكانه ، ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض فى الكلام.
وقال الزمخشرى (٣) : (وَالْمُقِيمِينَ) (النساء : ١٦٢) نصب على المدح لبيان فضل الصلاة ، وهو باب واسع. وقد كسّره سيبويه على أمثلة وشواهد ، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا فى خط المصحف.
__________________
(١) الكشاف : (١ : ٦٦٠ ـ ٦٦١ طبعة الاستقامة).
(٢) الكتاب : (١ : ٢٩٠).
(٣) الكشاف (١ : ٥٩٠).