الوحى ، وأمرهم بنسخ هذه الصّحف. فكتبوا منها سبع مصاحف. ثم ردّ عثمان الصّحف (١) إلى حفصة ، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم بن أبى العاص فأخذها فحرقها ، كما ذكر أبو بكر السّجستانى (٢)
ويقول أبو بكر السّجستانى فى مكان آخر بسند متّصل عن سالم بن عبد الله : إن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصّحف التى كتب فيها القرآن ، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم : فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر : ليرسلن إليه بتلك الصحف. فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر ، فأمر بها مروان فشقّقت. فقال مروان : إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب فى شأن هذه الصّحف مرتاب ، أو يقول : إنه قد كان شىء منها لم يكتب (٣).
ولا ندرى إلى أى حد كان توفيق مروان فيما فعل ، ولكنه ، وهو الرجل الذى كان معاصرا لما وقع ، كان عليه أن يطمئنّ إلى أن الأمر قد تمّ على أحسن ما يكون دقة وضبطا ، وما نظنه غاب عنه كيف احتاط عثمان لذلك ، وما نظنه إلا كان شاهد عثمان وهو يخطب الناس يناشدهم أن يأتوه بما معهم من كتاب الله ، وكان عهدهم بالنبىّ قريبا ، إذ لم يكن قد مضى على وفاته أكثر من ثلاث عشر سنة. وما نظن الناس إلا وفّوا لعثمان ، وجاءه كلّ رجل بما كان عنده ، فلقد كان الرجل يأتيه بالورقة والأديم فيه القرآن.
ولقد جمع من ذلك عثمان الشيء الكثير. وما وقف عثمان عند هذه بل لقد دعاهم رجلا رجلا فيناشده : لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول الرجل : نعم. حتى إذا فرغ من ذلك قال : من أكتب الناس؟ فقال الناس : كاتب رسول الله زيد بن ثابت. قال عثمان : فأىّ الناس أعرب؟ قالوا : سعيد بن العاص ـ وكان سعيد أشبههم لهجة برسول الله ـ قال عثمان : فليمل سعيد وليكتب زيد.
هذا كله فعله عثمان ، وفعل إلى جانبه الاستئناس بالصّحف التى تمّ جمعها فى عهد أبى بكر وشارك فيها عمر ، والتى كانت عند حفصة ، تلك الصّحف التى مثلت المصحف الأول المعتمد.
__________________
(١) ويقال : إنه نسخ من المصحف أربعة مصاحف أرسلها إلى البصرة والكوفة والشام ، واحتفظ بالرابع فى المدينة.
(٢) المصاحف للسجستانى (س : ١٠).
(٣) المصاحف (٢٤ ـ ٢٥).