ولقد عثر الباحثون على الكتابين المرسلين من النبىّ إلى المقوقس وإلى المنذر بن ساوى ، والكتاب الأول محفوظ فى دار الآثار النبوية فى الآستانة ، وكان قد عثر عليه عالم فرنسىّ فى دير بمصر قرب أخميم ، والكتاب الثانى محفوظ بمكتبة فينا.
ومن قبل هذه الأدلة يقول تعالى فى الرسول : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) (١). ويقول تعالى فى الرسول أيضا : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) (٢).
ولم تكن البيئة العربية على هذا بيئة كاتبة قارئة ، بل كان ذلك فيها شيئا يعد ويحصى ، وكان حظّ المدينة من ذلك دون حظ مكة ، ولم يكن فى المدينة حين هاجر إليها الرسول غير بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة ، منهم : سعيد بن زرارة ، والمنذر بن عمر ، وأبى بن وهب ، وزيد بن ثابت ، ورافع ابن مالك ، وأوس بن خولى. ولقد أحس الرسول ذلك بعد هجرته إلى المدينة ، فكان أول ما فعله بعد انتصاره فى «بدر» وأسره من أسر من رجال قريش القارئين الكاتبين ، أن جعل فدية هؤلاء أن يعلّم كلّ رجل منهم عشرة من صبيان المسلمين ، وبهذا بدأت الكتابة تروج سوقها فى المدينة.
حتى إذا كان عهد عمر بن الخطاب أمر بجمع الصّبيان فى المكتب ، وأمر عبد عامر بن عبد الخزاعىّ أن يتعهّدهم بالتعليم ، وجعل له رزقا على ذلك يتقاضاه من بيت المال.
وكان المعلّم يجلس للصبيان بعد صلاة الصّبح إلى أن يرتفع الضحى ، ومن بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر.
وحين خرج عمر إلى الشام وغاب عن المدينة شهرا استوحش إليه الناس ، وخرج صبيان المكتب للقائه على مسيرة يوم من المدينة ، وكان ذلك يوم الخميس ، ورجعوا معه إلى المدينة يوم الجمعة ، وقد انقطعوا عن المكتب يومين أجازهما لهم عمر ، وكانت بعد ذلك عادة متبعة (٣).
وحين اختار الله لرسالته «محمدا» اختار فيه صفات حسّية وصفات معنوية. أمدّهما به وطبعه عليهما ، فوهبه من الأولى نفسا قوية ، وروحا عالية ، وقلبا كبيرا ، وذهنا وقّادا ، وبصيرة نفاذة ، ولسانا مبينا ،
__________________
(١) الأعراف : ١٥٦.
(٢) العنكبوت : ٤٨.
(٣) عنوان البيان ، الفواكه الدوانى على رسالة أبى زيدون القيروانى.