فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده ، قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى فقال له : يا غلام ، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ـ وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ـ
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تسألنى باللات والعزى ، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتنى عما أسألك عنه ، فقال له : «سلنى عما بدا لك» فجعل يسأله عن أشياء من حاله فى نومه وهيئته وأموره ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته.
ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التى عنده ، فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب فقال له : ما هذا الغلام منك؟ قال : ابني. قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال : فإنه ابن أخى : قال : فما فعل أبوه؟ قال ، مات وأمه حبلى به. قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود ، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرّا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم. فأسرع به إلى بلاده.
* * *
فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة ، حين فرغ من تجارته بالشام ، وشب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله تعالى بكاؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية لما يريد من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ،