فى أن تكشف السماء عنهم ضرّا لم يشمروا هم لكشفه ، ولا فى أن تزيح عنهم السماء بلاء لم يتهيئوا هم لإزاحته ، كما لم يجعلوا كلمة التوحيد وحدها سلاحهم على أعدائهم وعدتهم التى بها يقوون ، بل جعلوا هذه الكلمة هى اللبنة الأولى فى سرح إيمانهم ، وانضم بها بعضهم إلى بعض يتناصحون ، والرسول من بينهم يملى عليهم ويشير.
على هذا عاهد المسلمون الله ، وعلى هذا عاهد المسلمون الرسول ، وعاهدوا الله على أن يناصروا رسوله ، وعاهدوا الرسول على أن يناصروا رسالته ، ثم عاهدوا أنفسهم على البذل للتمكين للرسالة ، لا يسألون الله نصرا قبل أن يسألوا أنفسهم بذلا.
وعلى هذا عاش منهم فى مكة من أنس فى نفسه قوة على احتمال الأذى ولم يخش أن يفتن فى دينه ، وهاجر منهم إلى الحبشة من لم يقو على احتماله الأذى وخاف أن يفتن فى دينه ، حتى إذا كانت الهجرة إلى المدينة لم ينظر المهاجرون إلى وطن عزيز عليهم ، وأهل قريبين إلى نفوسهم ، ومال هو قوام حياتهم ، وإنما نظروا إلى عقيدة هى لهم الحياة كلها وطنا وأهلا ومالا ، وسرعان ما لحق بهم الرسول إلى المدينة ليبدأ بالمهاجرين معه من مكة وبالأنصار أهل المدينة مرحلة جديدة من مراحل الدعوة كانت معها حروب ، وكانت معها تضحيات ، وكان نصر الله صنو نصر المسلمين لرسوله ولرسالته ، وكتب الله بجهاد المجاهدين لهذه الدعوة أن تستقر ، وكتب لها أن تدخل بهم مكة فاتحين ليمحوا كلمة الإثم ويردوا أهلها إلى الهدى.
* * *
وغزا رسول الله بالمسلمين سبعا وعشرين غزوة ، كما بعث بعوثا وأرسل سرايا بلغت جميعا ثمانيا وثلاثين. وكانت هذه البعوث والسرايا والغزوات
(م ٢٠ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ١)