قالت : يقول صاحبى حين أصبحنا : اعلمى والله يا حليمة ، لقد أخذت نسمة مباركة. فقلت : والله إنى لأرجو ذلك.
قالت : ثم خرجنا. وركبت أنا أتانى ، وحملته عليها معى ، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شىء من حمرهم ، حتى إن صواحبى ليقلن لى : يا ابنة أبى ذؤيب ، ويحك! وأربعى (١) علينا ، أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها ، فأقول لهن : بلى والله ، إنها لهى هى. فيقلن : والله إن لها لشأنا.
قالت : ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به شباعا لبنا ، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها فى ضرع ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب. فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن ، وتروح غنمى شباعا لبنا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا (٢).
قالت : فقدمنا به على أمه ، ونحن أحرص شىء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بنى عندى حتى يغلظ ، فإنى أخشى عليه وباء مكة.
قالت : فلم نزل بها حتى ردته معنا ، فرجعنا به.
* * *
وبعد أشهر حملته حليمة إلى أمه ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع
__________________
(١) اربعى : انتظرى.
(٢) جفرا : شديدا.