عندك غير لشىء مما سمعت! قلت : والله قد فعلت ، ما كان منى إليه من كبير ، وايم الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأكفينكنه.
فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مغضب ، أرى أنى قد فاتنى منه أمر أحب أن أدركه منه ، فدخلت المسجد فرأيته ، فو الله إنى لأمشى نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال ، فأقع به ـ وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ـ إذ خرج نحو باب المسجد يشتد. فقلت فى نفسى : ما له لعنه الله ، أكل هذا فرق منى أن أشاتمه ، وإذا هو قد سمع ما لم أسمع : صوت ضمضم بن عمرو الغفارى ، وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره ، قد جدع بعيره ، وحول رجله ، وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، اللطيمة (١) ، اللطيمة ، أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث. فشغلنى عنه ، وشغله عنى ، ما جاء من الأمر.
فتجهز الناس سراعا ، وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى ، كلا والله ليعلمن غير ذلك. فكانوا بين رجلين : إما خارج ، وإما باعث مكانه رجلا. وأوعبت قريش ، فلم يتخلف من أشرافها أحد.
إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف ، وبعث مكانه العاصى بن هشام ابن المغيرة ، وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه ، أفلس بها ، فاستأجره بها ، على أن يجزئ عنه ، بعثه فخرج عنه ، وتخلف أبو لهب.
ولما فرغوا من جهازهم ، وأجمعوا السير ، ذكروا ما كان بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب ، فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا ، وكاد ذلك يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك
__________________
(١) اللطيمة : الإبل تحمل البر والطيب.