ويتمسكون بعبادة العجل.
لقد دعا الإمام علي عليهالسلام معاوية إلى حكم القرآن مراراً ، قبل أن تنشب الحرب بينهما ، ليتفادى إراقة الدماء ، محاولاً الحفاظ على وحدة الأمة ، وجمع شملها ، بينما كان معاوية يعلم أن ليس له في حكم الكتاب شيٌ يكسبه ، فتمرد ، وأبى إلّا العناد ، ومخالفة الحق ، والخروج على إمام العدل ، والخليفة الشرعي ، وأصرَّ على تعنته وغيِّه.
خالف معاوية الكتاب ، ولم يرض بحكمه ، فأشعل نار الحرب ، وعندما رأى أنَّ جيشه بدأت عليه علامات الإنهيار ، والضعف عن القتال ، فأصبح غير قادر على الصمود والمقاومة ، وأيقن أنَّه سيُغلَب إذا استمرت المعركة على الوتيرة التي كانت تستعر فيها ، تظاهر بالدعوة إلى حكم الكتاب ـ عملاً بمشورة عمرو بن العاص كما مرّ ـ ، فأمر برفع المصاحف ، ولم يفعل ذلك إذعاناً لحكم الكتاب العزيز ، بل فعله لما يقتضيه الموقف من حيلة ومكر ، ليوقف الحرب بإيقاع الخلاف بين جيش الإمام علي عليهالسلام ، ولم يكن له مخرج من ذلك المأزق سوى هذه الحيلة.
انطلت حيلة معاوية ، وابن العاص هذه على غالبية جيش العراق ، وكان في الجيش عدد من الخونة والذين يحابون معاوية للنيل من دنياه ، ومن هؤلاء الأشعث بن قيسي الذي ردَّ على المتحمسين للقتال المصرين عليه ، فخاطب الإمام علياً عليهالسلام ، وقال : (يا أمير المؤمنين ، إنّا لك اليوم على ما كنّا عليه أمس ، وليس آخر أمرنا كأوَّله ، وما من القوم أحدٌ أحنى على أهل العراق ، ولا أوتر على أهل الشام منّي ، فأجب القوم إلى كتاب الله ، فإنَّك أحق به منهم ، وقد أحب الناس البقاء ، وكرهوا القتال) (١).
__________________
(١) وقعة صفين ٤٨٢.