آخرها بأولها ، وقد صبر لكم القوم على غير دين ، حتى بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عزوجل» (١).
وعندما بلغ قول الإمام علي عليهالسلام معاوية ، عرف أنَّه مصمم على حسم الأمر غداً ، فأحس بالخطر لأنَّ جيشه فقد معنوياته ، وأصبح على وشك الإنهيار والهزيمة ، فدعا عمرو بن العاص ليشاوره ، فقال له : يا عمرو ، إنَّما هي الليلة حتى يغدو علينا بالفيصل ، فما ترى؟. قال : إنَّ رجالك لا يقومون لرجاله ، ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر ، وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء ، وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون علياً إن ظفر بهم ، ولكن إلق إليهم أمراً ، إن قبلوه اختلفوا ، وإن ردوه اختلفوا ، إدعهم إلى كتاب الله حكماً فيما بينك وبينهم ، فإنَّك بالغ به حاجتك في القوم ، وإنّي لم أزل اُؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه. فعرف معاوية ذلك ، وقال : صدقت (٢).
أمر معاوية جيش الشام برفع المصاحف على الرماح في صباح اليوم التالي ، فرُفع خمسماءة مصحف على أطراف الرماح ، ونادى مناديهم : يا معشر العرب ، الله .. الله في نسائكم وبناتكم من الروم ، والأتراك ، وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله .. الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فقال الإمام علي عليهالسلام : «اللهم إنَّك تعلم أنَّهم ما الكتاب يريدون ، فاحكم بيننا وبينهم ، إنك أنت الحكم الحق المبين» (٣).
اختلف جيش الإمام علي عليهالسلام ، فانقسموا إلى طائفتين : طائفة تصرّ على
__________________
(١) وقعة صفين ٤٧٦.
(٢) وقعة صفين ٤٧٦.
(٣) وقعة صفين ٤٧٨.