بتوليته الخلافة ، ولكل من هؤلاء سببه الخاص به ، فهو إما طامع بتولي الخلافة ، كما تولاها غيره من النظراء ، أو يشعر بأنَّه سيفقد الإمتيازات غير المشروعة التي منحت له فيما سلف من الزمان ، بينما تأثر آخرون بدافع الحسد ، ولكن هؤلاء لم يتمكنوا من إبداء رأيهم أمام الأغلبية الساحقة ، بل صمتوا ، وبايع أغلبهم ، بينما امتنع آخرون عن البيعة ، فلم يجبرهم الإمام علي عليهالسلام عليها عندما تمت له البيعة ، بل تركهم لشأنهم.
أمّا الإمام علي عليهالسلام فقد وجد نفسه في موقف صعب ، وبين أمرين خطيرين :
الأول : أن يعتزل أمر الخلافة ، فلا يستجيب لطلب الثوار ومن وافقهم من الصحابة ، وعندها تعصف الفتنة بكيان الدولة الإسلامية ، لخلوِّها من قائد ينظم شؤونها ، ويسيِّر أمورها ، بأوامره يأتمر الجند ، وبها تجبى الأموال ، وتقام الحدود.
الثاني : أن يقبل الخلافة مع ما بها من تركات الماضي ، ومخلفاته المؤلمة ، وعندها تدرؤ الفتنة ، ويستقر كيان الدولة الإسلامية ، لوجود خليفة شرعي تمت له البيعة ، ولكن سرعان ما سيهتز هذا الكيان ، ويتصدع بتمرد الطامعين ، ولا مناص له عندئذ من إعلان الحرب للقضاء على المترد ، وحفظ كيان الدولة.
رفض الإمام علي عليهالسلام الخلافة في بداية الأمر ، رجاء أن يختاروا لها غيره ، لأنَّه كان عل علم أنَّ السيرة التي سينتهجها ، لا يذعن لها الناس بسهولة ، بل لا يهضمونها ، وإنَّها ستولد ردود فعل عكسية غاضبة ، لأنَّ الناس اعتادوا أموراً لا يقرها الدين ، ولا يستطيع هو إقرارها وإبقاءها بحال ، لأنَّ ذلك يستلزم المسامس بدينه ، ولكن إلحاح الثوار ، ومن اتفق معهم من الصحابة عليه بقبول الخلافة ، وهتافهم باسمه ، لم يترك له خياراً ، حيث وجد أن استمرار الرفض سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، فقبل الخلافة ليحافظ على كيان الدولة الإسلامية ، قال عليهالسلام في