فطحنت فضة صاعاً لليوم الأول ، وخبزته ، ووضعوا الخبز عند الإفطار ، فجاءهم مسكين ، وطرق الباب ، وسألهم أن يكرموه ، فقدموا له الخبز ، وطويت تلك الليلة على الجوع ، لم يذق فيها أهل البيت عليهمالسلام سوى الماء.
وفي اليوم الثاني ، صنعت الخبز ، ووضعهوا للإفطار ، فجاءهم يتيم ، وطرق الباب ، وسألهم أن يكرموه ، فقدموا له الخبز ، وأفطروا على الماء.
وفي اليوم الثالث ، صنعت الخبز ، ووضعوه للإفطار ، فجاءهم أسير ، وطرق الباب ، وسألهم أن يكرموه ، فقدموا له الخبز ، وأفطروا على الماء ، وهكذا بقي أهل البيت عليهمالسلام وخادمتهم فضة ثلاثة أيام بدون طعام ، يقدمون طعامهم للمحتاجين ، ويفطرون على الماء ، فنزلت فيهم سورة الإنسان ، تنوِّه بفضلهم ، وتبيِّن ما لهم عند الله عزوجل من الدرجات الرفيعة ، والجزاء الجميل ، والفضل الجزيل على ما تحمّلوا من الجوع في سبيله من أجل إشباع المحتاجين.
إنَّ تقديم المعوزين على النفس وإكرامهم بما هي في حاجة ماسّة إليه ، بسبب قلة ذات اليد ، ليس أمراً يسيراً ، بل يحتاج إلى مجاهدة النفس ، لمنع ما تبخل به ، وتحرص عليه ممّا تمس إليه حاجتها ، وهذا لا يتأتى لكل أحد ، بل يحتاج إلى درجة رفيعة من الإيمان ، والجود مع اليسار قد لا يكون أمراً عسيراً ، ومع ذلك نرى كثيراً من الناس يمتنعون عنه.
لقد ضرب أهل البيت عليهمالسلام المثل الأعلى في الإيمان في جميع تصرفاتهم ، فلم يكن بدعاً أن يتصرفوا بشكل يعجز عن الإتيان به غيرهم ، لذا نراهم دائماً يضربون أروع الأمثلة في الإيثار ، والتضحية ، وتحمل الآلام ، والشدائد ، لتأدية طاعة خالصة لله تعالى ، وبذلك نالوا خير جزاء المحسنين ، وأنزل الله عزوجل فيهم من القرآن المجيد ما يشيد بهم ، ويعدهم الأجر الجزيل.