ويحاول بعض الكتّاب أن يجعل من حياد الإمام عليهالسلام ، وتصرّفاته مع مروان ، وعدم تعرّضه من قبل الجيش بسوء ، دليلا على عدم تحرّكه عليهالسلام ضدّ الحكم الأموي؟!
لكنّها محاولة مخالفة للحقيقة :
فإن الإمام عليهالسلام إنّما ينطلق في تصرّفاته ، من منطلق الحكمة والتدبير ، وما ذكرناه من الشواهد كاف لأن نبرّر موقفه الحيادي من حركة الحرّة ، فكل من يدرك تلك الحقائق ويقف عليها يتبيّن له أن التحرّز من عمل تكون عواقبه مرئية وواضحة ومكشوفة ، هو الواجب والمتعيّن ، فلو دخل في الحركة ، فإما أن ينسحق تحت وطأة الجيش الظالم ، أو تنجح الحركة التي لم تبتن على الحق في دعواها ، وإنما تبنّاها من لا يعرف لأهل البيت حرمة ولا كرامة ولا حقا في الإمامة!
مع أن من النصوص ما يدلّ على أن الإمام كان مستهدفا :
قال الشيخ المفيد : قدم مسرف (١) بن عقبة المدينة ، وكان يقال : « إنه لايريد غير علي بن الحسين عليهالسلام » (٢).
ولا ريب أن الحكم الأموي الذي استأصل أهل البيت عليهمالسلام في كربلاء ، لم يكن يخاف الإمام السجاد عليهالسلام ، لما هو معلوم من وحدته وغربته ، ومع ذلك فقد كانت الدولة تراقبه ، لأنه الوارث الوحيد لأهل البيت بما لهم من ثارات ودماء ، وبما لهم من مكانة مرموقة في أعين محبّيهم ، الذين يترقّبون فيهم من الإمامة!
فلا ريب أن الإمام السجاد عليهالسلام كان مستهدفا!
وهذا النصّ قبل كل شيء يدل على أن الإمام السجاد عليهالسلام كان في نظر الناس عنصرا معارضا للحكم والدولة ، ولم يكن مستسلما قط ، حتى كان الناس يرون أن
__________________
(١) هو المتسّمي باسم ( مسلم ) معدود من الصحابة ، وهذا واحد من المحسوبين على الصحابة من الفسقة والمجرمين ، سمّي لعنه الله بمجرم ومسرف ، لما كان من إجرامه بأهل المدينة وإسرافه في قتلهم وإباحتها ثلاثة أيام بأمر يزيد لعنهما الله وقد سمّى المدينة ( نتنة ) خلافا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي سماها طيّبة ، مروج الذهب ( ٣ : ٧٨ ) وقد انفضّ فيها ألف عذراء ، دلائل البيهقي ( ٦ : ٤٧٥ ).
(٢) الإرشاد للمفيد (ص ٢٩٢).