تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت.
فلمّا قال المؤذّن «الله أكبر! » قال علي بن الحسين : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواسّ ، لا شيء أكبر من الله.
فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله! » قال علي : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخّي وعظمي.
فلمّا قال : « أشهد أن محمدا رسول الله! » التفت علي من أعلى المنبر الى يزيد وقال : يا يزيد ، محمد هذا جدّي ام جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت. وإن قلت إنّه جدي ، فلم قتلت عترته؟ (١)
فأدّى كلام الإمام عليهالسلام الى أن تتبخّر كل الدعايات المظلّلة التي روّجتها السياسة الأموية ، والتي تركّزت على : أنّ الاسرى هم من الخوارج! فبدّل نشوة الانتصار الى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين!
وفي التزام الإمام السجّاد عليهالسلام بذكر هويّته الشخصية فقط في هذه الخطبة ، حكمة وتدبير سياسيّ واع ، إذا لم يكن له في مثل هذا المكان والزمان ، أن يتطرّق الى شيء من القضايا الهامّة ، وإلاّ كان يمنع من الكلام والنطق ، وأمّا الإعلان عن اسمه فهي قضية شخصية ، وهو من أبسط الحقوق التي تمنح للفرد وإن كان في حالة الأسر!
لكنّ كلام الإمام لم يكن في الحقيقة إلاّ مليئا بالتذكير والإيماء ، بل الكناية التي هي أبلغ من التصريح ، بنسبه الشريف ، واتصاله بالإسلام ، وبرسوله الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد ذكّر الإمام عليهالسلام بكل المواقع الجغرافية ، والمواقف الحاسمة والذكريات العظيمة في الإسلام ، وربط نفسه بكلّ ذلك ، فسرد ـ وبلغة شخصية ـ حوادث تاريخ الإسلام ، معبرا بذلك عن أنّه يحمل هموم ذلك التاريخ كلّه على عاتقه ، وأنّه حامل هذا العبء ، بكلّ ما فيه من قدسيّة ، ومع هذا فهو يقف « أسيرا » أمام أهل المجلس!
وقد فهم الناس مغزى هذا الكلام العميق ، فلذلك ضجّوا بالبكاء! فإنّ الحكّام
__________________
(١) مقتل الحسين ( ٢ / ٦٩ ـ ٧١ ) ونقل عن كتاب ( كامل البهائيّ ) بنص متقارب نقله الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليهالسلام ( ص ١٠٦ ـ ١٠٩ ) ونقل بعده نصّا آخر للخطبة عن أبي مخنف فليلاحظ.