حتى تنظروا ماعقدة عقله؟ فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع الى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.
فإذا وجدتم عقله متينا ، فرويداً لا يغرّنكم!
حتى تنظروا ، أمع هواه يكون على عقله ، أم يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبّته للرئاسات الباطلة؟ وزهده فيها؟
فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة ، بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة ، حتى إذا قيل له : « اتّق الله » أخذته العزّة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (١).
فهو يخبط خبط عشواء ، يوفده أول باطل الى أبعد غايات الخسارة ، ويمدّ به ـ بعد طلبه لما لا يقدر عليه ـ في طغيانه ، فهو يحلّ ما حرّم الله ، ويحرّم ما أحلّ الله ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها.
فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذابا مهينا (٢).
ولكن الرجل ، كلّ الرجل ، نعم الرجل :
هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب الى عزّ الابد ، من العزّ في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه الى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثير ما يلحقه من سرّائها ـ إن أتّبع هواه ـ يؤدّيه الى عذاب لا انقطاع له ولا يزول.
فذلكم الرجل ، نعم الرجل :
فبه فتمسّكوا ، وبسنّته فاقتدوا ، والى ربكم فتوسّلوا ، فإنه لا ترّد له دعوة ، ولا يخيب له طلبة (٣).
ولحن هذا الكلام ، يعطي أنّه خطاب عام وجّهه الإمام الى مستمعيه ، أو من طلب منه الإجابة عن سؤال حول من يجب الالتفات حوله والأخذ منه؟
__________________
(١) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة البقرة (٢) الآية : ٢٠٦.
(٢) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة الاحزاب (٣٣) الآية (٥٧).
(٣) الاحتجاج ( ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ ).