بما ينطلي على الناس أنه صالح و « عادل » في الحكم ، بينما هو ، قد احتال في ضرب الحق وتثبيت الباطل مدّة أطول ، وقد كان من شأن الدولة الأموية أن تزول قبل ذلك ، لولا تصرّفاته المريبة!
حيث أن آثار جهود الإمام زين العابدين عليهالسلام ونضاله ضدّ الطاغوت الأموي ، كانت قد بدت ظاهرة ، فكان الجوّ السياسي ـ على أثر أنتشار الوعي ـ مشرفا على الأنفتاح ، بحيث لم يطق التعنّت الأموي على الاستمرار في عتوّه ، وإعلان فساده ، وانتهاكه للحرمات كسب الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام على المنابر ، على رؤوس الأشهاد ، وصدّ الإمة عن المعارف والثقافة الإسلامية الصحيحة بمنع الحديث والسنّة ، والأدهى من كلّ ذلك استمرار الضغط على كبار المسلمين وسادتهم كعلماء أهل البيت عليهمالسلام بالتقتيل والتشريد والسجن ، وكعلماء الصحابة ومؤمنيهم بالإهانة والمطاردة والقتل.
فكان عمر بن عبدالعزيز ، وهو الذي راقب الأوضاع عن كثب يعرف كلّ هذه المفارقات في حكم آبائه وسلفه ، فلمّا استولى على كرسيّ الخلافة بدأ بتبديل تلك السياسة الخاطئة.
فعمد الى رفع ذلك السبّ عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، الذي كان وصمة عار على جبين الحكم الأموي ، ولطخة سوداء في صفحات تاريخ المسلمين لا تمحى مدى الدهر ، إذ يسبّ أحد الخلفاء ، ابن عم رسول الله وصهره ، وأحد كبار الصحابة ، على منابرهم مدّة مديدة ، بكلّ صلافة وجرأة!! (١).
وقد كان عمر نفسه ممن يلعن عليّا قبل تولّيه السلطة ، حينما كان يتعلّم في المدينة (٢).
ثم أن سب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لم يؤد إلاّ الى النتائج المضادّة لأهداف بني أمية ، مهما تطاول ، وقد تنبّه العقلاء الى ذلك ، وجاء نموذج من هذا في ما روي عن عامر بن عبدالله بن الزبير ـ وكان من عقلاء قريش ـ سمع ابنا له ينتقص علي بن
__________________
(١) لاحظ الكشكول في ما جرى على آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ( ص ١٥٦ ).
(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( ٥ / ٤٢ ).