فابتعدوا عنهم ، وأقلّ آثار ذلك هو الحرمان من تعاليمهم القيمة ، والتردّي في ظلمات الجهل والانحراف.
وبما أن اولئك المتظاهرين كانوا يمثلون في أنظار الناس بمنزلة علماء زهّاد ، فأن استمرارهم على تلك الحالة الانحرافية كان يغري الناس البسطاء بصحة سلوكهم المنحرف ، وتفكيرهم الخاطيء فكان على الإمام زين العابدين عليهالسلام أن يصدّهم ، إرشادا لهم ، وإيقافا للاُمّة على حقيقة أمرهم ، وكشفا لانحرافهم وخطئهم في السلوك والمنهج :
فموقفه من عبّاد البصرة ، الذين دخلوا مكّة للحجّ ، وقد اشتدّ بالناس العطش لقلة الغيث ، قال أحدهم : « ففزع إلينا أهلُ مكة والحجّاج يسألوننا أن نستسقي لهم »؟!
والكلام الى هنا يدل على مدى اهتمام الناس بهؤلاء العبّاد!
قال : فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا الله خاضعين متضرّعين بها ، فمنعنا الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل ، وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثم أقبل علينا ، فقال :
يا مالك بن دينار ، ويا ... ويا ...
وذكر الإمام عليهالسلام أسماءهم كلّهم ، بحيث يبدو أنه يريد أن يعرفهم للناس بأعيانهم!
قال الراوي : فقلنا : لبيك وسعديك ، يا فتى!
فقال : أما فيكم أحد يحبّه الرحمن؟
فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة!
فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه!
ثم أتى الكعبة ، فخرّ ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : « سيّدي بحبّك لي إلاّ سقيتهم الغيث ».
قال : فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب!
قال الراوي : فقلت : يا أهل مكة ، من هذا الفتى؟
قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام (١).
__________________
(١) الاحتجاج ( ٣١٦ ـ ٣١٧ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٥٠ ـ ٥١ ).