وأخيرا : في إعمار الكعبة المعظّمة
وللإمام موقف عظيم يدلّ على المراقبة التامّة لما يجري ، مع التصدّي لاعتداءات الحكام الظلمة على الرموز الأساسية للدين ، وهو : موقفه من إعادة تعمير الكعبة ، في ما رواه الكليني والصدوق ، بسندهما عن أبان بن تغلب ، قال : لما هدم الحجّاج الكعبة ، فرّق الناس ترابها ، فلمّا جاءوا الى بنائها وأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حيّة ، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا ، فأتوا الحجّاج ، فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناءها ، فصعد المنبر ، وقال : أُنشد الله عبدا عنده خبر ما ابتُلينا به ، لما أخبرنا به.
قال : فقام شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم ، فعند رجل رأيته جاء الى الكعبة ، وأخذ مقدراها ، ثم مضى.
فقال الحجّاج : من هو؟
قال : علي بن الحسين.
قال : مَعْدِنُ ذلك ، فبعث الى علي بن الحسين ، فأخبره بما كان من منع الله إيّاه البناء.
فقال له علي بن الحسين :
يا حجّاج! عمدت الى بناء إبراهيم ، وإسماعيل عليهماالسلام وألقيته في الطريق وانتهبه الناس كأنك ترى أنه تراث لك.
إصعد المنبر ، فأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلاّ ردّه.
قال : ففعل ، فردّوه ، فلمّا رأى جيمع التراب ، أتى علي بن الحسين فوضع الأساس ، وأمرهم أن يحفروا.
قال : فتغيّبت عنهم الحيّة ، وحفروا حتى انتهى الى موضع القواعد.
فقال لهم علي بن الحسين : تنحّوا ، فتنحّوا ، فدنا منها فغطّاها بثوبه ، ثم بكى ، ثم غطّاها بالتراب ، ثم دعا الفعلة ، فقال : ضعوا بناءكم.
فوضعوا البناء ، فلمّا ارتفعت حيطانه ، أمر بالتراب فأُلقي في جوفه.