ثانيا : في مجال الإصلاح وشؤون الدولة
إن كان الإصلاح من أبرز ما يقصده الأنبياء والأئمة عليهمالسلام ، لأنّ مهمتهم إنّما جعلت في الأرض لدفع الفساد عنها بهداية الخلق الى ما هو صالح لهم ، وقطع دابر المفسدين.
فإن كان هذا هو الحق : فإن الإمام زين العابدين عليهالسلام لم يتخلّ عن موقعه الإلهي ، كقائد للأمة الإسلامية ، ومصلح للمجتمع الإسلاميّ ، وقد تبلور في ساحة العمل الأجتماعي ، في كل زواياها وأطرافها ، وأبرزها المطالبة بإصلاح جهاز الحكم.
أنّ أقصى ما يريد أن يبعده المؤرخون المحدثون عن حياة الإمام زين العابدين هو العمل السياسي ، والتعرّض للجهاز الحاكم ، والتطلّع الى إصلاح الدولة ، فيحاولون الإيحاء ـ بعبارات شتّى ـ أنّ الإمام عليهالسلام لم يكن سياسيّا ، وكان بعيدا عن التورّط في ما يمسّ قضايا السياسة من قريب أو بعيد ، وأنه انزوى متعبّدا بالصلاة والدعاء والاعتكاف!
ومع اعتقادنا أنّ مزاولات الإمام الدينيّة ـ كلّها من صميم العمل السياسي ، وخصوصا في عصره ، إذ لم يسمع نغم الفصل بين السياسة والدين ، بعد!
فمع ذلك : نجد في طيّات حياة الإمام زين العابدين عليهالسلام عيّنات واضحة ، من التدخّلات السياسيّة الصريحة.
فهو في ما يلي من النصوص المنقولة عنه ، يبدو رجلا مشرفا على الساحة السياسية ، فهو يدخل في محاورات حادّة ، ويتابع مجريات الأحداث ، ويدلي بتصريحات خطرة بشأن الأوضاع الفاسدة التي تعيشها الأمّة ، وهو ينميها ـ بكل صراحة ـ الى فساد الدولة.
١ ـ قال عبد الله بن حسن بن حسين :
كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يجلس كلّ ليلة ، هو ، وعروة بن الزبير ، في مؤخّر مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم! بعد العشاء الآخرة ، فكنتُ أجلس معهما ، فتحدّثا ليلة ، فذكرا جور من جار من بني اٌمية ، والمقام معهم ، وهما لا يستطيعان تغيير ذلك!
ثمّ ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم!