وأما بعد هذه الفترة ، فلم يعرف عن هذا البيت من الشَعر خبر في تاريخ الإمام عليهالسلام ، ولا أثر!
وأبرز ما أثمرته هذه الظاهرة الغريبة ، أنّ القائد الاموي السفّاك مسلم بن عقبة ، في هجومه الوحشي الكاسح على المدينة وأهلها ، لم يمسّ الإمام بسوء ، وعدّه « خيرا لا شرّ فيه ».
وواضح ، أن المراد من « خير وشر » في منطق هذا الأموي السفاح ، ماهو؟! مع أنّ الإمام كان مستهدفا بالذات في ذلك الهجوم ، كما سنوضحه في ما بعد!
ولقد استنفد الإمام السجاد عليهالسلام جلّ أغراضه وأهدافه من هذا الإجراء الفريد ، فرجع الى المدينة ، وقد انقلبت ظنون رجال الحكم السيئة ، الى حالة مألوفة ، وأصبح الإمام في نظرهم مواطنا ، يمكنه أن يسكن المدينة ، من دون أن تنصب له الدوائر ، ولا أن تجعل عليه العيون.
بل ، انقلب البغض الدفين ، الذي كان يكنّه الأمويون تجاه بني هاشم ، وركّزه معاوية في أهل بيت الرسول ، وصبّه على أمير المؤمنين علي وأولاده ، وجسّده يزيد في الفاجعة المروّعة بقتل شيخ العترة وسيّدها الحسين بن علي عليهالسلام ، وقتل خيرة رجالات أهل بيته ، وأصحابه ، في مجزرة كربلاء.
انقلب كل ذلك ـ في نهاية المطاف ـ بفضل سياسة الإمام زين العابدين عليهالسلام ، الى أن يكون علي بن الحسين أحبّ الناس الى حكّام بني أمية (١).
وبهذا يمكن أن نفسّر النصّ الوارد في إعلام إمامة علي بن الحسين عليهالسلام المعروف بحديث اللوح الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري حيث جاء فيه :
« أطرق ، واصمت ، والزم منزلك ، واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين » (٢).
فلابد أن تحدّد فترة ذلك بأول عهد إمامة الإمام السجاد عليهالسلام حين كان يواجه
__________________
(١) كان علي بن الحسين أحبّ الناس الى مروان وابنه عبدالملك. طبقات ابن سعد ( ٥ : ١٥٩ ) تاريخ دمشق ( الاحاديث ٣٨ ـ ٤٠ ) وابن كثير في البداية والنهاية ( ٩ : ١٠٦ ) وتذكرة الحفاظ ( ١ : ٧٥ ).
(٢) الإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه (ص ١٦٧) الحديث (٢٠) ، وانظر مصادر تخريجه. ولاحظ أمالي الطوسي ( ١ / ٢٩٧ ).