الحسين عليهالسلام يسمح لكلّ من حوله ـ وحتى أولاده وأهل بيته ـ بالانصراف ، ويجعلهم في حلّ ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه.
قال الإمام السجّاد عليهالسلام: لما جمع الحسين عليهالسلام أصحابه عند قرب المساء ، دنوت لاسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول : ... أما بعد ، فإني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خيرا .. ألا ، وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا (١).
ففي ذلك الظرف ، لا دور ـ إذن ـ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالمعنى الفقهي ، لان الأخطار المحدقة كانت ملموسة ، ومتيقّنة ومتفاقمة للغاية ، تفوق حدّ التحمّل.
وقد أدرك ذلك كلّ من اطّلع على أحداث ذلك العصر ، قبل اتّجاه الإمام الحسين عليه الى العراق ، ممّن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم ، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليهالسلام في مسيره الطويل من المدينة الى مكّة والى كربلاء ، ومن أولاده وأهل بيته خاصة؟ الذين لا تخفى عليهم جزئيّات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفّي للإمام ، وسمعوا الإمام عليهالسلام يصرّح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومن معه! حتّى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع ، أو ليلة عاشوراء؟
فلقد عرف من بقي مع الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء ، بأن ما يقوم به الإمام ليس إلاّ فداءا وتضحية ، لحاجة الإسلام الى إثارة ، والثورة إلى فتيل ووقود ، واليقظة الى جرس ورنين ، والنهضة الى عماد وسناد ، والقيام الى قائد ورائد ، والحياة الحرّة الكريمة الى روح ودم.
والإمام الحسين عليهالسلام قد تهيّأ ليبذل مهجته في سبيل كلّ هذه الأسباب لتكوين
__________________
(١) الإرشاد للمفيد ( ص ٢٣١ ).