تجاه الموقف السياسي للإمام عليهالسلام حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أيّ شريف فضلا عمّن يعتقد في زين العابدين عليهالسلام أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين!
إن الإمام عليهالسلام كان مسؤولا ـ ومن خلال منصبه الإلهي ـ عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام عليهالسلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سريّة وذكاء ، فشنّ على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية.
ولم ينقض القرن الأوّل ، إلاّ أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليهالسلام تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم مائة عام من الانحراف والظلم والتعديّ على الإسلام بمصادره :
القرآن الذي منع تفسيره وتأويله من المصادر الموثوقة.
والحديث الذي منع تدوينه ونشره ، وأحرق كثير منه.
ورجاله الذين نفوا ، وأخرجوا من ديارهم ، أو قتّلوا تقتيلا.
ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدسّ والتحريف فشوّهت سمعته ، وسوّد وجه تاريخه.
لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكّن من الوقوف أمام كل هذه التحدّيات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة.
ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليهالسلام حتى بدأ العدّ التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكّام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنّتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلاّ انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام.
وأما أهداف الإمام السجاد عليهالسلام فقد تولاّها بعده ابنه الإمام الباقر محمّد بن عليّ ابن الحسين عليهالسلام ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكّنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما.