ورواها من أعلامنا ابن شعبة ، ونعتمد نسخته هنا (١) قال :
كتابه عليهالسلام إلى محمد بن مسلم الزهري ، يعظه :
كفانا الله ، وإياك ، من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد اصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سنّة نبيّه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فرضي لك ـ في كل نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلّ حجة احتجّ بها عليك ـ الفرض بما قضى ، فما قضى إلاّ ابتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيه فضله عليك ، فقال : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [ إبراهيم «١٤» الآية «٧» ].
فانظر : أيّ رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله! فسألك عن نعمه عليك : كيف رعيتها؟ وعن حججه عليك : كيف قضيتها؟
ولا تحسبنّ الله قابلا منك بالتعذير ، ولا راضيا منك بالتقصير!
هيهات! هيهات! ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) [ آل عمران «٣» الآية «١٨٧» ].
واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت!
فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا ، مع الخونة ، وأن تسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يردّ على أحد حقّا ، ولم تردّ باطلا حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله!
أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك الى بلاياهم ، وسلّما الى ضلالتهم.
داعيا الى غيّهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم.
فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ،
__________________
(١) تحف العقول ( ص ٢٧٤ ) والمحجة البيضاء ( ٣ : ٢٦٠ ).