فقال الإمام : يا جابر ، لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتى ألقاهما.
فاقبل جابر على من حضر فقال : ما رؤي في أولاد الانبياء مثل علي بن الحسين ، إلاّ يوسف بن يعقوب ، والله لذريّة علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف (١).
فإن قوله : « منهاج أبويّ ـ يعني : عليا والحسين عليهماالسلام ـ مؤتسيا بهما » يعني : أن ما يتمتع به الإمام زين العابدين عليهالسلام هو ما كان يتمتع به أبوه الحسين وجدّه علي عليهماالسلام ، وأن ما قام به أبواه من الجهاد يقوم به الإمام السجاد ، لأنه مثلهما في الامامة ، ووارثهما في الكرامة.
وفي حديث عن الصادق عليهالسلام في ذكر أمير المؤمنين عليهالسلام وإطرائه ومدحه بما هو أهله ، وزهده في المأكل ، قال : وما أطاق عمل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من هذه الأمة غيره ، ثم قال : وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليهالسلام.
قال : ولقد دخل أبو جعفر ـ ابنه ـ عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه ، وقد اصفرّ لونه من السهر ، ورمصت عيناه من البكاء ...
قال أبو جعفر عليهالسلام : فلم أملك ـ حين رايته بتلك الحال ـ البكاء ، فبكيت رحمة له ، فإذا هو يفكّر ، فالتفت إليّ ـ بعد هنيئة من دخولي ـ فقال : يابني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فأعطيته ، فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثم تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليهالسلام؟ (٢).
وعن الصادق عليهالسلام قال : كان علي بن الحسين عليهالسلام إذا أخذ كتاب علي عليهالسلام فنظر فيه قال : من يطيق هذا؟ من يطيق هذا؟ (٣).
وهكذا يعلن الإمام زين العابدين عليهالسلام ـ وهو في أعلى قمم العبادة والاجتهاد في الطاعة ـ أنه لا يقوى على عبادة جدّه علي عليهالسلام!
فإلى أيّ سماء ترتفع فضيلة أمير المؤمنين علي عليهالسلام في العبادة ، بعد هذه الشهادة!؟
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ( ٣ : ٢٨٩ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٩ ) ولاحظ : أمالي الطوسي ( ٢ : ٢٥٠ ).
(٢) شرح الأخبار للقاضي ( ٣ : ٢٧٢ ) والإرشاد للمفيد ( ص ٢٥٦ ) والمناقب لابن شهر آشوب ( ٤ : ١٤٩ ) وكشف الغمة ( ٢ : ٨٥ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٥ ).
(٣) الكافي للكليني ، الروضة ( ٨ : ١٦٣ ).