وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ، ويحك يا ابن آدم ، من خوف بيات سلطان رب العزّة وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا باللّيل والنّهار؟ فذلك البيات الّذي ليس منه منجى ، ولا دونه ملتجا ، ولا منه مهرب.
فخافوا الله أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى ، فإن الله يقول : ( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١) ).
فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها وتذكّروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإن زينتها فتنة وحبّها خطيئة.
واعلم ويحك يابن آدم أن قسوة البطنة وكظة الملأة وسكر الشبع وغرة الملك مما يثبّط ويبطّىء عن العمل وينسي الذّكر ويلهي عن اقتراب الأجل ، حتى كأنّ المبتلى بحبّ الدّنيا به خبل من سكر الشّراب.
وأنّ العاقل عن الله ، الخائف منه ، العامل له ليمرّن نفسه ويعوّدها الجوع حتى ما تشتاق الى الشبع ، وكذلك تضمّر الخيل لسبق الرّهان.
فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمّل ثوابه وخائف عقابه فقد ـ لله أنتم ـ أعذر وأنذر وشوّق وخوّف ، فلا أنتم الى ما شوّقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوّفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون.
وقد نبّأكم الله في كتابه أنّه : ( فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٢) ).
ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه وصرّف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) ).
فاتّقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتّعظوا بمواعظ الله ، وما أعلم إلاّ كثيرا منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها وأضرّت بدينه فما مقتها ، أما
__________________
(١) سورة ابراهيم آية ١٤.
(٢) سورة الأنبياء آية ٩٤.
(٣) سورة التغابن آية ١٥.