يابن آدم! إن أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك وصرت الى قبرك وحيدا ، فردّ إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكان : ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك.
ألا ، وإن أوّل ما يسألانك : عن ربك الذي كنت تعبده؟ وعن نبيك الذي اُرسل إليك؟ وعن دينك الذي كنت تدين به؟ وعن كتابك الذي كنت تتلوه؟ وعن إمامك الذي كنت تتولاّه؟
ثمّ ، عن عمرك في ما كنت أفنيته؟ ومالك من أين اكتسبته؟ وفي ما أنت أنفقته؟
فخذ حذرك ، وانظر لنفسك ، وأعدّ الجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار.
فإن تك مؤمنا عارفا بدينك ، متّبعا للصادقين ، مواليا لأولياء الله ، لقّاك الله حجّتك وانطلق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب ، وبشّرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان.
وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجّتك وعييت عن الجواب ، وبشّرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.
واعلم يابن آدم : أن من وراء هذا أعظم ، وأفضع ، وأوجع للقلوب يوم القيامة ، وذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ، يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين.
ذلك يوم ينفخ في الصور ، وتبعثر فيه القبور.
وذلك يوم الأزفة ، إذ القلوب لدى الحناجر ، كاظمين.
وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ، ولا يؤخذ من أحد فدية ، ولا تقبل عن أحد معذرة ، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلاّ الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات.
فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فأحذروا ، أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها ، وحذّركموها في كتابه الصادق ، والبيان الناطق.
ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده ، عندما يدعوكم الشيطان اللّعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإن الله عز وجل يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ