ولذلك عبّر بـ « السلطان » و « الرعيّة » ولم يفرض في السلطان ولاية إلهيّة ، وإنّما فرضها سلطة حاصلة بالقوّة والقهر ، وهذا ما يتمكّن من تحصيلة حتى غير الأئمة الإلهيين ، وإن كان السلاطين يحاولون الإيحاء بأنّهم ينوبون عن الله في الولاية والسلطة ، وأنّهم ظلّ الله على الأرض ، ولذلك يلقّنون الناس فكرة « الجبر » حتى يربطوا وجودهم بإرادة الله (١).
لكنّ الإمام السجّاد عليهالسلام فرّغ الحديث عن السلطان من كلّ هذه المعاني ، وإنّما تحدّث عن حقّه كمتسلط بالقوة على الرعيّة ، فهو في هذه الحالة لابدّ أن يعرف واجباته ويؤدّيها ويعرف حقوقه فلا يطلب أكثر منها.
كما أن الرعيّة المواجهة لمثل هذا السلطان لابدّ أن تعرف حدود المعاملة الواجبة عليها تجاهه ، وما يحرم عليها فلا تقتحمه ، رعاية للمصالح الاجتماعيّة العامة بشريا.
وبما أنّ السلاطين في هذا المقام لم تفرض لهم العصمة ، اللازمة في الولاة الإلهيّين ، فلابدّ أن يحذروا من المخالفات الشرعيّة ، كما لابدّ للرعيّة أن يحذروا من التعرّض لبطشهم وسطوتهم ، فهناك حقوق مرسومة لكلّ منهما ـ السلطان والرعيّة ـ لابدّ من مراعاتها ، حدّدها الإمام عليهالسلام.
فعلى السلطان أن لا يغترّ بقدرته الموقوتة المحدودة :
١ ـ أن يكون رؤوفا رحيما بالبشر الذين استولى عليهم.
٢ ـ أن يعرف قدر نعمة السلطة ، حتى يوفّق للمزيد ، حسب الموعود بالمزيد لمن شكر.
ويتنعّم بما هو فيه من فضل وسلطة.
وأما الرعيّة ، فعليها :
١ ـ أن تخلص في النصيحة للسلطان ، وتبذل الولاء في سبيل إنجاح المهمّة الاجتماعية والحكمة والتدبير من « لابدّية الأمير » في سبيل الخير.
٢ ـ وأن لا تلجأ الى العداء والبغضاء حتى لا يلجأ السلطان الى العدوان والفتك ، فيحصل العقوق بين الراعي والرعيّة فيشتركان في إثم الفساد في الأرض.
__________________
(١) كما شرحنا جانبا من ذلك في بحث سابق ، لاحظ ( ص ٨٨ ـ ٩١ ) في الفصل الثاني.