المجال التربوي والمعيشة الربانية ، لا في مجالات التضحية والجهاد!
فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر ـ جهاد النفس ـ لا الجهاد الأصغر ـ جهاد الأعداء ـ (١) ..
وزاد في تعميق المفاجأة : عندما وجدتُ هؤلاء ـ جميعا ـ قد أغفلوا أمرا واحدا وهو تحديد « السياسة » التي أدّعوا أنّ الإمام : « ابتعد عنها » أو « انصرف عنها » أو «زهد فيها » أو « لم يشارك فيها» أو « انعزل عن ساحتها » الى غير ذلك من التعابير المختلفة.
واذا كانت هي زعامة العباد ، وتدبير امور البلاد (٢) فهي داخلة في معنى « الإمامة » التي لا بد أن نفرضها للإمام أو ـ على الأقل ـ نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماما.
وإذا كانت الإمامة متضمنّة للسياسة ، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها؟.
أو يريد الكُتّاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها؟.
أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية ، فقط؟.
وفي خصوص الإمام زين العالدين عليهالسلام : كانت المفاجأة أعمق أثرا ، عندما لا حظت أنّ المصادر القديمة والمتكلفة لذكر حياة الإمام عليهالسلام تعطي ـ بوضوح ـ نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتّاب ، وهي :
أنّ الإمام عليهالسلام قد قام بدور سياسي فعّال ، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق ، يمكن اعتباره من أذكرى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصبية الحالكة.
__________________
(١) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص ٦٣ ) وانظر خاصة ( ص ٩١ ـ ٩٣ ). ويلاحظ : أن جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة ، ولا الإمام فقط ، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله ، وأراد الجنة!.
(٢) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلا في هذا المعنى للسياسة ، حتى في العرف المعاصر. وسيأتي في ( التمهيد ) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين « جهادا وجهودا » في سبيل تحقيقها.