فهناك حركتان : مبدأ الاُولى منهما هو المطلوب المشعور بذلك الوجه الناقص ، ومنتهاها آخر ما يحصل من تلك المبادئ ; ومبدأ الثانية أوّل ما يوضع منها للترتيب ، ومنتهاها المطلوب المشعور به على الوجه الأكمل .. فالحركة الاُولى تحصل المادّة ، أي ما هو بمنزلة المادّة ، أعني مبادئ المطلوب التي يوجد معها الفكر بالقوّة ، والحركة الثانية تحصل الصورة ، أي ما هو بمنزلة الصورة ، أعني الترتيب الذي يوجد معه الفكر بالفعل ، وإلاّ فالفكر عَرَض لا مادّة ولا صورة ..
فذهب المحقّقون إلى أنّ الفعل المتوسّط بين المعلوم والمجهول للاستحصال هو مجموع هاتين الحركتين اللتين هما من قبيل الحركة في الكيفيّات النفسانيّة ; إذ به يتوصّل إلى المجهول توصّلاً اختياريّاً ، للصناعة الميزانيّة فيه مدخل تامّ ، فهو النظر بخلاف الترتيب المذكور اللازم له بواسطة الجزء الثاني ; إذ ليس له مدخل تامّ ; لأ نّه بمنزلة الصورة فقط ..
وذهب المتأخّرون إلى أنّ النظر هو ذلك الترتيب الحاصل من الحركة الثانية ; لأنّ حصول المجهول من مبادئه يدور عليه وجوداً وعدماً .. وأمّا الحركتان فهما خارجتان عن الفكر والنظر ، إلاّ أنّ الثانية لازمة له لا توجد بدونه قطعاً ، والاُولى لا تلزمه بل هي أكثريّ الوقوع معه ; إذ سنوح المبادئ المناسبة دفعةً عند التوجّه إلى تحصيل المطلوب قليل ..
فالنزاع بين الفريقين إنّما هو في إطلاق لفظ النظر لا بحسب المعنى ; إذ كلا الفريقين لا ينكران أنّ مجموع الحركتين فعل صادر من النفس