هذان هما المعنيّان الرئيسيّان للأصالة ، وهما كما نرى لا يتضمّنان أيّ تعارض مع المعاصرة ، ولكنّ وضع اللفظين أمامنا في كلّ المعالجات الحالية للمشكلة كما لو كانا بديلين يتعيّن أن نختار بينهما ، أو على أحسن الفروض أن نوفّق بينهما ، هو في صميمه طرح باطل ، يؤدّي إلى تشويه للمشكلة برمّتها ، وإلى تضليل العقول التي تضني أنفسها في البحث عن حلّ لها .. فنحن ببساطة شديدة نجهد أنفسنا في اقتفاء أثر لا يوصل إلى شيء ، ونبحث عن باب متاهة ليس لها مخرج ..
الإبداع
يقول حسن حنفي : إذا كان القدماء قد آثروا الاتّباع دون الإبداع فإنّنا نرى مأساتنا في الاتّباع لا في الإبداع .. وإنّ هناك فرقاً بين الابتداع والإبداع .. الأوّل خروج عن النهج بلا اُصول ، والثاني تطوير للاُصول وتجديد لها .. الأوّل انقطاع بلا تواصل ، والثاني تواصل بلا انقطاع .. ليس السلف بأفضل من الخلف بالضرورة ، ولا الخلف أشرّ من السلف بالضرورة ، ولكن لكلّ عصر اجتهاداته ، ولكلّ جيل إبداعاته ، ولكلّ زمن سلبيّاته وإيجابيّاته .. ولكنّ رؤية الماضي كنموذج للاتّباع ورؤية المستقبل كنموذج للإبداع كلاهما إسقاط للحاضر من الحساب ، وفي ذلك إهدار للإمكانيّات البشريّة لجيلنا ، وكأن الحلّ الوحيد يوجد خارج عصرنا إمّا في فردوس الماضي أو في حلم المستقبل ، وكلاهما طريقان وهمّيّان للخلاص .. وذلك ضدّ حركة التاريخ ومساره وتطوّره على نحو طبيعي من