والكثرة ، والحدس يختلف أيضاً في الكمّ وينتهي إلى القوّة القدسيّة الغنيّة عن الفكر بالكلّيّة ..
بيان ذلك : إنّ أوّل مراتب الإنسان في إدراك ما ليس حاصلاً من النظريّات درجة التعلّم ، وحينئذ لا فكر له بنفسه ، بل إنّما يفكّر المتعلِّم حين التعلُّم بمعونة المعلِّم ، وفي هذا خلاف السيّد السند ، فإنّ عنده لا فكر للمتعلِّم ، ثم يترقّى إلى أن يعلم بعض الأشياء بفكره بلا معونة معلِّم ، ويتدرّج في ذلك ، أي يترقّى درجةً درجةً في هذه المرتبة ، إلى أن يصير الكلّ فكريّاً ، أي بحيث يقدر على تحصيله بفكره بلا معونة معلِّم ، ثم يظهر له بعض الأشياء بالحدس ، ويتكثّر ذلك على التدريج إلى أن تصير الأشياء كلّها حدسيّة ، وهي مرتبة القوّة القدسيّة ، ومعناه : أنّه لو لم يكن بعض الأشياء حاصلة بالفكر فهو يعلمه الآن بالحدس ..
فإن قيل : في تأخّر هذه المرتبة نظر ; إذ لا تتوقّف صيرورة الأشياء حدسيّاً على صيرورة الكلّ فكريّاً ..
قلت : ليس معنى صيرورة الكلّ فكريّاً كون الكلّ حاصلاً بالفكر ، بل بالتمكّن منه كما عرفت ، ولا يراد بالتمكّن الاستعداد القريب بالنسبة إلى الجميع الذي يحصل بحصول مبادئ الجميع بالفعل ، ولا الاستعداد البعيد الذي حصل للعقل الهيولاني ، بل الاستعداد القريب ولو بالنسبة إلى البعض .. ولا خفاء في تأخّر هذه المرتبة عنه وإن كان لا يخلو عن نوع تكلّف ..