المختصّ مراقبٌ متربّصٌ لا يغفل ولا يتسامح في كشف ونشر ما يعثر عليه من أخطاء وهفوات وزلاّت ; انطلاقاً من عمليّة النقد الرامية إلى منح النتاج الثقافي مزيداً من الدقّة والتأمّل والتعمّق .. ولا يقلّ الجانب الفنّي شأناً عن الجانب العلمي ، ولاسيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار الترابط الوثيق بينهما ، إلى ذلك الحلّة الجميلة التي تمنح الكتاب شكلاً ورونقاً خاصّاً ..
زرع «التحقيق» في عقلي وأحاسيسي بذور الطموح إلى بلوغ الأساليب والآليات الأخلاقيّة الرفيعة ، كيف لا ، وهو الذي يعني الأناة والصبر والرغبة الشريفة والأمانة وشوق الحقيقة والتأمّل والتعمّق ... كلّ ذلك من أجل الحصول على السلامة والصحّة ، أليس في هذا بُعدٌ أخلاقيٌّ رفيع يربّي النفس ويعلّمها كيف تصل غاياتها طبق الأدوات والسبل النبيلة والقنوات السليمة؟! لذا فإنّي أنظر إلى «التحقيق» ـ بالإضافة إلى زواياه المعروفة ـ من زاوية اُخرى هي الزاوية الأخلاقيّة فيه ، ولعلّها الأساس والأصل حينما يكون بلوغ الحقيقة مقصداً دونه سائر المقاصد ..
لكنّي لا أرى التوقّف والاكتفاء بتحقيق النصوص صحيح ، إنّما هو مرحلة هامّة ومنصّة انطلاق قويّة وبوابّة واسعة نحو الأرقى والأفضل من فضاءات العلم والمعرفة والثقافة ; فالتحقيق بما يعنيه من العمل بمناهج معيّنة على نتاجات جاهزة سلفاً ـ رغم الخدمة الكبيرة ـ قد يعدّ نوعاً من الحبس الفكري والتقيّد المعرفي والمصادرة العفويّة والتبعيّة التي تضعف الإبداع والابتكار ، وبعض المتطرّفين يعدّ عمليّة التحقيق أشبه بالعبوديّة ; إذ صرف الجهود على آثار الآخرين الموجودة سلفاً بحجّة إظهارها بما