التي هجروها بفعل الحرب .. أفادني في تعلّم اللغة الفارسيّة كثيراً .. وكنت اُكثر المزاح معه فأقول له : متى نأكل حلاوتك! أي حلوى الشهادة ; إذ كان عسكريّاً مرابطاً في الخطوط الأماميّة لجبهات القتال ، وبعد أدائه الخدمة انضمّ إلى قوّات التعبئة «البسيج» ، واستشهد مع أخيه الأكبر في عمليّات كربلاء الخامسة رحمهما الله تعالى ... فتحوّل المزاح إلى حقيقة وفقدنا به أخاً متديّناً دمث الخلق .. وهو أوّل من جعلني أتناول الكبّة التبريزيّة «كوفته تبريزي» التي لازلت معجباً بها ..
شكّلت مدينة مشهد بقدسيّتها وصفائها وجمالها وسعتها وعظمة إمكانياتها وشهرتها وأهمّيّتها ـ حيث تؤمّها الملايين سنويّاً لزيارة المولى عليّ بن موسى الرضا ثامن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ـ منعطفاً هامّاً في حياتي ، ارتسمت وتبلورت به معالم شخصيّتي وحقيقة ثقافتي وواقع انتمائي العقائدي والفكري ، فصرت اُمارس انتمائي الديني والمعرفي ممارسة عمليّة مُخرجاً ذاتي عن ثقافة المظاهر والقشور ، مقحماً إيّاها فضاءات العلم وآفاق التعلّم ، ولن اُغمط حقّ الذين رغّبوني بالالتحاق في سلك الدراسات الدينيّة ، فللّه درّهم وعليه أجرهم ..
في بدايات سنة ١٩٨٣ أو نهايات سنة ١٩٨٢ م التحقت بمدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) للعلوم الدينيّة بعد تفكير وتردّد منشؤه قضيّة الالتزام بالدرس والوظائف والوقت وخشية عدم الموفّقيّة ، إلى ذلك : انتماء هذه المدرسة إلى خطّ سياسي معيّن ، وهذا ما شكّل لي إحراجاً كبيراً ، فأنا أرفض الانتماء إلى أيّة جهة سياسيّه ; إذ أعتقد بالبقاء خارج اُطر الانتماء