امتاز والدي (رحمه الله) بالوقار وملازمة السكوت حتى في البيت ، وسكوت كهذا يضفي على جوّ العائلة مسحةً من الحزن والاختناق ، وقلّما وجدناه ضاحكاً متبسّماً ، لكنّه رجل متديّن يؤدّي وظائفه الشرعيّة على أحسن وجه ، ويصل الفقراء والمساكين والأرحام بخفاء وهدوء ، ويفهم مسؤوليّته جيّداً قبال عائلته وما تحتاجه من وسائل واُمور مختلفة ، لكنّه لم يكن مبسوط اليد تجاه وسائل الراحة والرفاهيّة التي قد ترغب بها العائلة أحياناً ، كامتلاك سيّارة أو تلفزيون ملوّن وغير ذلك ; ولعلّ سبب ذلك التزامه الديني والشرعي ، أمّا سمعته الطيّبة على مستوى المدينة فهي مدعاة فخر واعتزاز لنا جميعاً ..
سنة ١٩٧١ م انتقلنا من محلّة الجامع إلى صوب الشاميّة ، شارع بغداد ، قرب السوق العصري ، واستقرّ بنا الأمر في بيت الحاج لازم مؤقّتاً إلى حين اكتمال بناء البيت الذي شيّده والدي قباله ، وكان بيتاً ـ أي بيت الحاج لازم ـ فسيحاً ذا حديقة واسعة فيها من الورود والفواكه والخضار الجميلة ما يعجب الناظر ويسرّ القلب ..
اكتمل بيتنا وكان «الاُسطة حافظ» محور البنّائين ورئيسهم ، وحقاً إنّه بيت قوي امتاز بالأحزمة الكونكريتية التي تمسك بالبناء وتجعله راسخاً متيناً ، مضافاً إلى الأساس المحكم ، حيث التربة الرخوة التي تحتاج إلى قواعد صلبة يشيّد عليها البناء .. واشتغلت ذات يوم عاملاً في بناء بيتنا لنصف نهار ولم يعطوني اُجرةً بادئ الأمر فتأ لّمت كثيراً ممّا حدى بهم تسليمي سبعة دراهم ففرحت بها كثيراً ، وكانت اُجرة عامل