خليل فقط .. ويشرف بيتنا من الجهة الخلفيّة على السوق الذي يغصّ صباحاً بمختلف السلع كالأسماك والخضر والفواكه والدجاج ، وترى الناس تموج فيه لتحصل على حاجتها ، ووقته من الفجر إلى الظهر لا غير ; إذ ليس هذا السوق مبنيّ بالمعنى المتعارف من الدكاكين والبناء الدائم ، بل عبارة عن أرض كبيرة جدّاً نسمّيها نحن «الخرابة» يفترشها الباعة في الصباح الباكر بما لديهم من بضائع ، وتتحوّل بعد الظهر إلى ساحة كرة القدم وألعاب اُخرى ، وكان فيها بعض بيوت الخوص «البواري» التي اُزيحت وخرّبت بعد فترة ، وبيوت الخوص هذه أنقذت أخي الثاني مرّة ; إذ سقط من سطح بيتنا الشاهق ووقع فوقها ، ولولا هذه البيوت التي احتضنته وهو هاو من شاهق لما كان يُعرَف مصير حياته ..
ولي في هذه «الخرابة» ذكريات حلوة ومرّة ، والمُرّة منها : أن تحرّشت ذات مرّة بالكلاب المستقرّة هناك ، فلحقني كلب وعضّني بظهري ، وأسرع بي زوج خالتي إلى المستشفى ، فغرسوا في بطني مصلاً لقاحيّاً في سبع مراحل كما أتذكّر ; ولولا هذا اللقاح لكنت اُصاب بأمراض خطرة كما قيل وقتها ; إذ كان الكلب الذي عضّني بقولنا مكلوباً «مچلوباً» ..
كم كنّا بسطاء بأمانينا التي لم تكن تتجاوز حجم عقولنا وعدد سنين أعمارنا ، وكان ولع السيّارات مهيمناً علينا ، ولم أكن أحلم أن يمتلك أبي وأهلي سيّارة ناهيك عن الحقيقة والواقع ، رغم وضعنا الاقتصادي الجيّد قياساً إلى سائر العوائل والناس الذين كانوا يعيشون فقراً مدقعاً .... فكنت