هكذا هو الإنسان دوماً ، يتعلّم من الموافق والنقيض ـ على السواء ـ ليدرك المطلوب ، فمن الموافق نستلهم العمل بالإيجابي ، ومن النقيض نستلهم ترك العمل بالسلبي ، ومن نافلة القول أذكر أنّ المعروف هو كون الاجترار والتكرار والحشو والتطويل بلا طائل والاختزال المخلّ ... اُموراً سلبيّة علّمتني ألاّ أكتب كذلك ، إنّما أكتب لحاجتي إلى الكتابة ، فهي متنفّس أفكاري وهمومي وآلامي ، غير لاهث بها نحو التجارة أو الإساءة والطعن والتعريض ، اُريد أن اُعرب بكلماتي عن تجربة ـ أعتقدها ناحجة ـ نقلتني ـ على أدنى تقدير ـ من قلق الجهل وخوف الانحراف وذلّ التبعيّة واضطراب القرار وخشية الامتهان وهدر الكرامة إلى اللاّ تصنيف في زمرة الجاهلين والمنحرفين والذيليّين والمردّدين والممتهَنين ..
لعلّ من أهمّ رواشح المراجعة والمحاسبة والتدقيق ـ ولاسيّما المقرونة منها بالجهد الثقافي المعرفي ـ أن يعلم الإنسان : متى يبادر ويتحرّك ويفعل ويقول ومتى يبقى على صمته وسكونه ، كيف يواجه المواقف والأحداث المختلفة ويعالج المريضة منها .. وهذا معنىً من معاني الكياسة والفطنة ....
أن يعلم بالوعي والحكمة وسعة الاُفق أنّ المستقبل آت كما كان الماضي ويكون الحاضر ، آت بشتّى افتراضاته واحتمالاته ، فلعلّ الملك يزول والمجد ينهار والغنى يبور وتنقلب الاُمور رأساً على عقب ، مَن يدري فقد يألق الداني ويتدنّى الألق ; فالوعي والحكمة وسعة الاُفق رقيبٌ كبير حتى في أعزّ مراحل الشموخ وذروة السموق ، ينذر بالعواقب