بل على النقيض تماماً ، فإنّ العنف والترويع وأنساق التغييب تخلق عزماً مضاعفاً وإرادةً أقوى وإصراراً أكيداً ـ مقرونةً كلّها بدقّة أكثر وإحاطة أشمل ـ على ظهور الفكرة وانتشارها وتأثيرها ..
لا شيء يستحقّ الأهمّيّة في كلّ الزوبعة أكثر من بناء الإنسان ذاته ووجوده وعناصر معرفته وتكامله ..
فأيّ علم وثقافة وتجارة ومنزلة وشهرة لا تجدي نفعاً إن لم تفتح آفاقاً وفضاءات لبناء الذات وترميمها وصيانتها ....
حينما يُختَرق الظاهر الغضّ الجميل في لحظة ما إثر محكّ صعب حقيقي تلمس الأشياء على حقيقتها ، فلا تجد في ذلك التواضع ورباطة الجأش والمودّة والاُلفة والوداعة ... سوى انقلاباً من جنس الغطرسة والكبر والتهوّر والحقد ، أضمرتها ذرائع الوقت والمكان ، فلا يعلو آنئذ سوى ما ترغبه الذات وترنو إليه ، نعم ، ما أضمر امرئ من شيء إلاّ وظهر على قسمات وجهه أو فلتات لسانه ، فالزبد لابدّ وأن يطفح يوماً ما ; إذ الكون وما فيه محكوم بقانون العدل الإلهي ، لا الظلم الإنساني ..
أمّا القلّة التي عالجت العمق والباطن فالأمر سيّان عندها لا يفرق مقدار أنملة ، سواء تعرّضت لمحكٍّ أم لم تتعرّض ..
إنّنا في كلّ معقل وخليّة وكيان نجد ألواناً متفاوتة متناقضة مختلفة ، نجد الصالح والطالح ، العزيز والذليل ، القوي والضعيف ، الشفّاف والمتزلّف