والعزلة على حساب القضايا الأساسيّة فإنّه أمرٌ ربما فيه من الأنانيّة ما لا يخفى ، فمن أجل الرغبة الذاتيّة لا يمكن الحكم سلباً على الحقائق الموضوعيّة المتوفّرة بهذا الحجم والكثافة والفاعليّة والنجاح ..
نعم ، أن تؤول الأوضاع إلى ذلك المصير الضبابي بفعل غياب الرأس الأساس ، أو تغيّر المعادلة الموجودة أو تحقّق الظروف القاهرة ، فهذا بحث آخر لا ارتباط له بعناصر الشعور أو العقل المشار إليها .... لذا تراني أحياناً أعيش افتراضيّاً مرحلة ما بعد الغياب المذكور الذي إن حصل سقط كلّ شيء في فخ التراجع والخمول والدمار والضياع ، وهذا راشح طبيعي من رواشح ثقافة التأسيس والتنظيم والعمل والتفكير بآلية واُسلوب الفرديّة ، رغم كلّ النجاحات المتحقّقة ، فالثقافة الفرديّة لا تنتج ـ كما قلنا مراراً ـ سوى أدوات ومكائن تعمل ليل نهار بعيدةً كلّ البعد عن فضاء البرمجة والتخطيط والإبداع والبناء الذاتي ، فالكلّ معاني حرفيّة إزاء معنى استقلالي واحد هو الرأس الأساس ..
نعم ، ربما يأتي ذلك اليوم الذي تتغيّر فيه الأوضاع ، فنتحاور حواراً جادّاً تحكمه المعايير بلا أدنى عسر وحرج ، بلا إمام ومأموم ، حينها يمكننا المرور على الماضي مروراً تحليليّاً نقديّاً شفّافاً ، فنقول ما أضمرته الصدور طيلة هذه السنين صوناً للحرمة والرفقة والظروف الحاكمة ، وتخرج رواشح الفكر على حقيقتها بلا أدنى ملاحظة وخجل ، فيرتفع لحن النقد واللوم ، ويتّسع مجال التذكير بتلك الأساليب والسلوكيّات التي تتنافى مع القيم والأخلاق والعهود والمواثيق التي صاغتها مبادئ الهويّة