الجماعات الكبرى التي كانت محيطة بهم ، ولم تكن حضارة هاتيك الجماعات أقلّ قوّة وتنوّعاً ممّا يحيط بنا اليوم بالمقارنة مع البداوة .. ومع ذلك فقد تمكّنوا من هضم حضارات عصرهم ..
إنّ المشكلة إذن تكمن في الحداثة الثقافيّة ذاتها .. والحداثة لا تعني الحضارة بشكل عام ، وإنّما تعني العقل الذي وجّهنا إلى أخذ ما أخذناه ونأخذه من هذه الحضارة ، أو إلى ما اعتبرناه حتى الآن أساساً لخروجنا من الوضعيّة الدونيّة التي وضعنا فيها صعود الغرب إلى مركز العالميّة .. بل إنّ تفكيك ثقافتنا وإفقارها ليس هو ذاته إلاّ ثمرة لهذه الحداثة ونتيجة لها .. وإذا تحوّلت الثقافة القديمة أو تحوّل التراث إلى عنصر مقاومة للعصرنة ، فذلك لأنّ الحداثة كانت ومازالت تعني التبعيّة المادّيّة والاستلاب الروحي والثقافي والشقاق الاجتماعي وتكوين مجتمع حديث مرتبط بالخارج ومعادي للمجتمع المحلّي .. أي لأ نّها ومازالت اغتراباً تاريخيّاً حقيقيّاً وتراجعاً وتحلّلاً للذات العربيّة ..
ويقول أيضاً : هكذا تُطرَح في نظرنا مسألة الحداثة .. فهذا الإخفاق المتجدّد والدائم في استيعاب الحضارة هو المصدر الأساسي والوحيد لاستمرار الحديث عن الهويّة والمعاصرة والصراع بينهما ; لأ نّه بقدر ما يجعل الحداثة الفعليّة والمنتجة مستحيلة ، أي بقدر ما يمنع الحداثة من أن تكون حضارة ومدنيّة ، ويحوّلها إلى وسيلة من وسائل الصراع الاجتماعي ، يزيد قوّة التفكّك والانحلال ، ويعمّق الاستلاب ومحو الشخصيّة ، ويدفع إلى تفاقم مشكلة الهويّة والعودة إلى الاُصول كحلّ