في التعرّف وتساؤله الذي لا يتوقّف لا ينفصل عن تطلّعه الدائم إلى إبداع ..
يقول محمّد أرگون : الحداثة التكنولوجيّة ـ المصرفيّة تعني تهميش كلّ الأنبياء والقدّيسين واللاهوتيّين والفلاسفة والفنّانين والشعراء والأبطال التاريخيّين الذين عاشوا في الماضي وقدّموا للبشريّة خيرة ما عندهم .. إنّها تعني احتقارهم أو الاستهزاء بهم ورميهم في سلّة الماضي لكي يصبحوا مادّة للتبحّر الأكاديمي الجاف أو للنسيان الكلّي والنهائي ..
ولذا فإنّني أقول : ينبغي على الحداثة كمشروع إنساني أن تصحّح إرادة المعرفة الهادفة إلى السيطرة والاستغلال والهيمنة .. ولكن كيف؟ عن طريق الإدخال الفعلي ، أي الفلسفي والقانوني ، لحقوق الروح في حقوق الإنسان ، فقد تحوّلت هذه الأخيرة إلى مصطلح مؤدلَج أكثر من اللزوم ، بل ومستهلك وفاقد لروحه .. فالغرب يرفعه كشعار ايديولوجي للضغط على الآخرين أكثر ممّا يتقيّد به عندما يتعامل مع الآخرين ..
يقول برهان غليون : إنّ المشكلة ـ بعكس ما يقال حتى الآن ـ لا تكمن في الحضارة ولا في التراث ، وإنّما تكمن في النظام الثقافي الذي طوّرناه نحن في القرون الحديثة من أجل استيعاب هذه الحضارة وهذا التراث ..
إنّها تكمن في فاعليّتنا ، أو بالأحرى لا فاعليّتنا الثقافيّة والعقليّة الحديثة .. فلم يكن تراث أسلافنا البدوي أغنى أو أعظم قيمة من تراث