شكلي وحيد لها ; إذ ليس للهويّة حلّ بدون النجاح في الوصول إلى مشاركة إيجابيّة في الحضارة ، وهذا أساس ومصدر الشعوب بالذاتيّة الفاعلة والتاريخيّة .. وليس الوصول إلى هذه المشاركة من طريق سوى تأكيد الذاتيّة والهويّة ، أي تحقيق الوعي بالذات والكشف عن تناقضاتها وحلّها وإيجاد الصورة المطابقة أو استخراجها منها .. فموضوع الهويّة لا يتعلّق في نظرنا بالتراث ولا بالحداثة ، وإنّما بتحديد العلاقة مع الآخر وبتمييز الذات عن الغير ، وهذا التمييز لا قيمة له إلاّ إذا كان من اُفق وضمن نطاق المشاركة في الحضارة القائمة ..
وليس الاستلاب بهذا المعنى إلاّ النتيجة المباشرة للتبعيّة للمشاركة السلبيّة والاستهلاكيّة المحضة في الحضارة .. وهذا من دواعي الشعور بالدونيّة ولا جدوى الذات ولا فاعليّتها ..
لذلك فإنّ السؤال الأساسي الذي يستحقّ الطرق هو : لماذا كان هناك تحديث ولم تكن نهضة؟ فبقدر ما تنفي الحداثة الذاتيّة وتعتقد أنّ التقدّم لا يتمّ إلاّ بالقضاء على التراث ، تبيّن النهضة أنّ الحضارة لا يمكن أن تكتسب وتستوعب إلاّ بتأكيد الذاتيّة .. إنّ النزاع القائم بين أنصار الهويّة وأنصار العصريّة يعكس إذن غياب مشروع النهضة وإمكانيّتها ، ويترجم هذا الغياب في نفي متبادل لعنصريها الأساسيّين ، أو لإمكانيّة التفاعل بين التراث والحضارة .. ولو كانت هناك إمكانيّة للتقدّم الفعلي لاكتشف التراثي قيمة الحداثة ، واكتشف الحداثي قيمة وأهمّيّة التراث ..