والإبداع كليهما عملٌ فردي يقوم به أفراد بوصفهم أفراداً لا بوصفهم جماعة .. ولكن مع ذلك فهي ليست انكفاء على الذات .. إنّ الحداثة هي
ـ على الرغم من الأهمّيّة التي تعطيها للفرد كقيمة في ذاته ـ ليست من أجل ذاتها ، بل هي دوماً من أجل غيرها ، من أجل عموم الثقافة التي تنبثق فيها .. الحداثة من أجل الحداثة لا معنى لها .. الحداثة رسالة ونزوع من أجل التحديث ، تحديث الذهنيّة ، تحديث المعايير العقليّة والوجدانيّة وعندما تكون الثقافة السائدة ثقافة تراثيّة فإنّ خطاب الحداثة فيها يجب أن يتّجه أوّلاً وقبل كلّ شيء إلى «التراث» بهدف إعادة قراءته وتقديم رؤية عصريّة عنه ..
واتّجاه الحداثة بخطابها ، بمنهجيّتها ورؤاها ، إلى التراث ، هو في هذه الحالة اتّجاه بالخطاب الحداثي إلى القطّاع الأوسع من المثقّفين والمتعلّمين ، بل إلى عموم الشعب ، وبذلك تؤدّي رسالتها .. أمّا التقوقع في فرديّة نرجسيّة فإنّه يؤدّي حتماً إلى غربة انتحاريّة ، إلى التهميش الذاتي ..
يقول علي حرب : إنّها ـ الحداثة ـ بحسب ما نفكّر فيها ونصنعها خلقٌ مستمرّ نتغيّر به بقدر ما نغيّر العالم ، ونصنع أنفسنا بقدر ما نصنع الأحداث ... ولأنّ الحداثة خلقٌ مستمرّ ورؤية إشكاليّة وتجربة لا تكتمل ، فهي موقف نقدي من الذات والحقيقة والفكر يتيح الخروج عن المراجع والنماذج أو كسر الاُطر والقوالب ، سعياً دوماً لبناء إمكانات جديدة للفكر والقول والعمل ..